أنت هنا

قراءة كتاب من العمارة إلى المدينة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من العمارة إلى المدينة

من العمارة إلى المدينة

كتاب " من العمارة إلى المدينة " ، تأليف رهيف فياض ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة

بين عمران المدينة وبنيان الكتابة

محمد دكروب

عندما تقرأ مقالات المعمار رهيف فياض، في كتابه هذا، وفي كتبه التي أصدرها قبله، يجابهك السؤال نفسه، ولو بأشكال متعدّدة، حسب كل مقالة وحسب موضوعها: هل أقرأ أدباً إبداعياً أم أقرأ كتابة متقنة في أمور العمارة والعمران وكيفيّات تنظيم المدن والضواحي والبلدات والقرى؟

فالهاجس المعماري، البنائي، موجود دائماً في نسيج بنيان المقالة نفسها: تَتَابُع الصور، وجماليات اللغة، والتركيب البنائي للمقال: (من مدخلٍ، إلى طرائق طرح الإشكالات، إلى الاقتراح، فالوصول إلى الأفق الرحب، أو: ربط حلّ الإشكال العمراني بتحوّلات القضية الاجتماعية أو تعقيداتها).. أستطيع القول: إن بنيان المقالة هنا أقرب إلى بنيان القصة القصيرة في النتاج الأدبي. بل إن بعض المقالات ــــــ (كما في المقالات التي تروي مراحل تحوّلات بيروت: من تناسق العمران إلى التشوّهات التي طرأت وتطرأ على هذا العمران) ــــــ أقرب إلى الكتابة الروائية، حيث تتحوّل العمارة، والساحة، والمجال، والشارع، والطرقات الفرعية، والحدائق في وجودها أو اضمحلالها... هذه البناءات كلها تتبدّى في كتابة المعماري رهيف فياض كأنها شخصيّات روائية لها حياتها وأدوارها وصراعاتها وصولاً إلى ما أطلق عليه فياض صفة العمارة المقاومة أو المنهج المقاوم في العمران.

وعبر حديثه، التصويري التحليلي، عن العمارة والعمران، يدخل بك رهيف فياض إلى مسارات الصراعات الاجتماعية المتشابكة عضوياً بالواقع الاجتماعي والمواقف، والتي تجد تعبيراتها في أنماط العمارة وأنواعها، سواء تلك الأنماط المجلوبة القامعة التي يزرعونها في غير مكانها، أم تلك الأنواع من العمارة المتجذّرة في الأرض والمسارات التاريخية للعمران، المتآخية مع المحيط والمتآلفة مع الطبيعة والاجتماع ومتطلّبات البشر والذوق الجمالي.

وأستطيع القول، أيضاً، إن الكتاب كله يتخذ لنفسه هذا البنيان الأدبي الفنيّ: من مدخلٍ يضعك في مواجهة الإشكاليات، إلى احتدام الإشكاليات العمرانية والهندسية التي هي، في واقعها، تعبيرات عن صراعات ومواقع اجتماعية، إلى صياغات للرؤى العامة للكاتب/المعمار التي تنفتح على خلاصات لموضوعات أثارها وطرحها الكاتب عبر فصول هذا الكتاب الغني والجميل والمشوّق أيضاً كما أحبّ أن أقول.

***

يدخل بنا الكاتب إلى موضوعات كتابه هذا عبر الدخول إلى "السراي الحكومي الكبير" أيام وجود رفيق الحريري فيه رئيساً للوزراء.

وإذ نصعد مع الكاتب الدرج العريض إلى البناء الكبير، القامع، في أعلى تلك التلّة المشرفة على بيروت، نرى، عبر عين الكاتب ــــــ اللاقطة ككاميرا سينمائية ذكية ــــــ الحواجز المنصوبة من مثلّثات حديدية إلى جنازير تسدّ معظم الطرقات التي تفضي إلى هذا البناء الكبير، ثم إلى نقاط التفتيش "الدقيق، العصري، الآلي، الفعّال واللائق" ــــــ حسب تعبير الكاتب ــــــ وهنا، يذكر الكاتب، كما أتذكّر أنا معه: إن السراي الكبير هذا لم يكن ــــــ قبل الحرب الأهلية المجيدة! ــــــ محاطاً بالحواجز والسدود، بل كانت أبوابه مفتوحة طوال النهار للناس يدخلون إليه، ويسعون عبر دوائره لتخليص معاملات لهم، وكذلك للناس الذين يتفرّجون، وأيضاً للمتظاهرين الرافعين مطالب لهم الهاتفين لتحقيق هذه المطالب والهازجين لها بالصوت العالي.

اجتاز الكاتب/المعمار حاجز التفتيش ودخل إلى السراي الكبير الواسع جداً وشبه الفارغ، لمناقشة الموضوع الذي جاء للاشتراك بمناقشته.. الموضوع هو: "الاحتفال بإطلاق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية".

كلام رسمي كثير، منمّق جداً. كلام رسمي يربط بإحكام بين بنود الخطة الشاملة وتطبيقها، وما يسميه هذا الكلام الرسمي ويشدد عليه بــــــ"الحسّ الوطني".. بهذا الطرح الفضفاض، الذي يربط تنفيذ الخطة بتزايد "الحس الوطني"، تريد الخطة، حسب الكلام الرسمي: "أن تنقذ الشواطئ، وأن توقف التدهور فيها، وأن تصون الآثار، وأن تحمي التراث"...

ولكن الكاتب/المعمار يؤْثر أن يتجه نحو التحديد الواقعي للأمور والكلمات: فهل هذا "الحس الوطني" هو مفهوم عام واحد، وبالتساوي، بالنسبة لجميع المواطنين؟.. وعند اللبنانيين جميعاً دون تمييز؟.. فإذا تفحّصتَ الأمور كما يقضي علم الاجتماع وعلم الواقع والوقائع، تصطدم بالفوارق الكبيرة والهائلة في حقيقة مفاعيل هذا "الحس الوطني"، هكذا، ودون تمييز "بين مالك كبير ومّن لا يملك شيئاً، بين مستثمرٍ جشع، ومن لا يستطيع أن يؤمّن قوت عياله، بين معتدٍ على الشاطئ وعلى مياه البحر، ومن لا يستطيع أن يصل إليهما، بين مسؤول متسلّط فاسد، وبين محكومين يدفعون الثمن ضرائب، وفقراً، وبطالة، وهجرة..".

ويظهر هذا التفارق واضحاً وصادماً، بين متخالفين، تجاه مشروع الخطة.. ففي حين تتجه إدارة مشروع الخطة إلى نوعٍ من انتقاد "ردم البحر (الإعماري)، في المطار، وفي سوليدير، وفي ضبيّة، الذي دمّر البيئة البحرية في مواقع مميّزة، وعطّل وحدة الشاطئ الطبيعية، وأفقده تواصله واستمراريّته. بالإضافة إلى نقل العديد من الهكتارات المربّعة من الأراضي الجبلية لردم البحر، مع ما سبّبه ذلك من تدمير إحدى ميزات لبنان الأساسية في محيطه وهي: جباله، وصخوره، وغاباته، والغطاء الأخضر الذي يكسوه"..

وفي حين تشدّد الخطة، بكلام إدارة المشروع، على "ضرورة الحفاظ على مناطق الثروة الزراعية الوطنية ووقف التعدّيات على الشاطئ، وحماية المواقع الطبيعية فيه، وضرورة حماية الملّاحات، وحرفة صيد السمك، ومرافئ الصيد الطبيعية الصغيرة"...

إذن، في حين تشير الخطة إلى هذا كله وإلى نواقص عديدة أخرى... يأتي الكلام الرسمي ــــــ عبر كلام رئيس الوزراء هذه المرة ــــــ بمفهومٍ آخر، نقيض، يُراد به طمأنة اللبنانيين بأن كل شيء حسن و"كل شي ماشي"... ويتضمّن كلامه معارضة لما قاله مدير المشروع، ويوضح موقفه بالقول: "إن من يستمع إلى العرض الذي قدّمه مدير المشروع، يخرج بانطباع، وكأن لبنان فارغ من كل شيء، والحقيقة ــــــ يقول رئيس الوزراء ــــــ إن لبنان بلد مليء بكل شيء. فعندنا الكثير من الأمور الموجودة، وهي بحاجة إلى تنظيمها أو توضيحها، وعندنا القليل من الأمور الناقصة، وهي بحاجة إلى عمل لاستكمالها...".

كل شيء إذن موجود، حسب قول رئيس الوزراء، ونحن ــــــ كما يؤكد ــــــ لسنا في فوضى عارمة... وكل ما هو موجود هو جيّد ينبغي استكماله، والخطة الشاملة لترتيب الأراضي عليها ــــــ فقط ــــــ أن تُكمل الموجود!!... إذن: لا مجال للنقد، للملاحظة، للتعديل، أو لإعادة التقويم، لا مجال لأي تصحيح!

... هكذا يجابه رئيس الوزراء الخطة المقترحة لترتيب الأراضي اللبنانية!

الصفحات