كتاب " في مدار النقد الأدبي " ، تأليف د. علي مهدي زيتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب في مدار النقد الأدبي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مدار النقد الأدبي
المقدمة
يقوم هذا العمل على ثلاث مفردات أساسية: (المكان)، و(القصّ)، و(المنهج). ولقد ابتدأت حكاية هذه المفردات بدعوة، وُجِّهَت إليّ، لأشارك، في قاعة بلدية الشياح، في الحديث عن أعمال عبد الرحمن منيف بمناسبة وفاته. ووجدت أنّ تعاملي البحثيّ السابق مع الأعمال السرديّة، وفاق المنهج السردي مجرّداً، لم تكن مجدية بما فيه الكفاية، وفكّرت في مخرج قدّمته لي رواية "شرق المتوسط" على طبق من ذهب. فعدا ما لفتني العنوان إليه من أهميّة دراسة المكان في هذا الرواية، لأن العنوان عنوان مكاني بامتياز (شرق المتوسط)، فالرواية ممثّلة جيّدة لتلاقي المثقف الكبير بالأديب الكبير في شخصية عبد الرحمن منيف. وكان أن وجدت نفسي أتعامل مع المكان في هذه الرواية بناءً على الخلفيّة الثقافية التي تتشكل على قاعدتها رؤية عبد الرحمن منيف إلى العالم. فكانت النتيجة مرضية بالنسبة إلى قناعاتي. وهكذا التقى الثلاثي (الثقافة/المكان/القصّ)، في ذهني، فطاب لي أن أكمل رحلتي مع أي عمل سردي أتعرّض له بناءً عليه. وكرّت السبحة مع مجموعة "صهيل الجواد الأبيض" القصصية لزكريا تامر، ومجموعة "قناديل أشبيلية"، القصصيَّة لعبد السلام العجيلي، فرواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، ثم أهم أعمال إميلي نصر الله الروائية، بعدها رواية "الزمن التالي" لفاتن المر، ومجموعة "حكايات للزمن الآتي" القصصية لسعيد أبو نعسة. وفكّرت في أن أجمع هذه المقالات التي قدّمت في ندوات ومؤتمرات متنوعة ومتباعدة أحياناً، فوجدت أن الأمر يتطلب مبحثين أساسيين: المبحث الأوّل أقدّم فيه تصوّري للمنهج البنيوي الثقافي الذي قاربت في ضوئه تلك الأعمال. على وجه الخصوص، لأنّ للقارئ أن يكون على بيّنه من أمره حين يقرأ دراسة عن المكان في بعض الأعمال السرديّة. ومعرفة تصوّرات الدارس للمكان مفيدة في التعامل مع دراسته الإجرائية.
يعني ذلك أن العمل قائم على قسمين رئيسين:
القسم الأول نظري وهو موزّع على عنوانين، كما رأينا: "نحو منهج بنيوي ثقافي"، و"مقاربة من مفهوم المكان في الأعمال السردية".
والقسم الثاني إجرائي موزّع على سلسلة من العناوين هي: "جدليّة المكان وحقوق الإنسان في رواية "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف، و"شعريّة المكان في (صهيل الجواد الأبيض)" لزكريا تامر، و"ثنائيّة (الشرق/الغرب) في (قناديل أشبيلية) لعبد السلام العجيلي، وأزمة الأمة الثقافية"، و"شعريّة المكان في رواية (أولاد حارتنا)" لنجيب محفوظ، و"ثنائيّة المكان ودلالاته في رواية إميلي نصر الله"، و"رواية تيار الوعي والمكان في (الزمن التالي)" لفاتن المرّ، و"المكان الفلسطيني في (حكايات للزمن الآتي)" لسعيد أبو نعسه.
ويبقى أنّني تجنّبت في مبحثيْ القسم النظري ما هو معروف في الكتب التي عالجت أمور السرديّة من ناحية، وأمور المكان من ناحية أخرى، لأقدّم ما قدّرت أنّه نتاج تجربتي البحثيّة الشخصيّة معهما.
فالجانب البنيوي من المنهج مرّ، داخل الحركة النقديّة، بتجارب عديدة وواجه مواقف متنوّعة ومتباينة، ولذلك اكتفيت بالإشارة إلى أنّه، في روحه، ما زال حيّاً يمكن للباحث أن يفيد منه في ما خصّ مكوّنات الخطاب السرديّ ليتفرّغ لمقاربة عميقة مبنيّة على مقولات منهج آخر.
والمنهج الآخر، هنا، هو المنهج الثقافي الذي يفترق عمّا عُرف بالنقد الثقافي افتراقاً جوهريّاً، كما سنرى. وذلك من حيث التوجّه ومن حيث الانتماء. والمنهج الثقافي تنظيراً وإجراءً هو من المناهج الفاعلة التي تستطيع، بتقديري، أن تنطق ما سكت من أبعاد فنيّة يكتنزها الخطاب. وهذا ما يسوّغ وجوده في الحياة النقديّة الحديثة.
أما ما يتعلّق بالمكان، فقد تجاوزت الإرث الكبير الذي تجمّع لدينا عبر دراسات كثيرة جادّة، وبلغات متعدّدة. ولا يعني هذا أنني لم أستند إليها. استندت إليها من دون أن أكرّرها. فالمطلوب أن أقدّم تجربتي البحثيّة الخاصة عن المكان.
ومهما يكن من أمر، فإنّني أضع عملي هذا أمام العين الناقدة المنصفة، والله ولي التوفيق، وإليه أنيب.
حوش الرافقة في 30/8/2010