كتاب " في مدار النقد الأدبي " ، تأليف د. علي مهدي زيتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب في مدار النقد الأدبي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مدار النقد الأدبي
2- حركة الأبوياز والمنهج العلمي
سعت هذه الحركة، بفعل انتمائها إلى الحداثة المؤسسة على العلميّة تأسيساً راسخاً وعنيداً، إلى تخليص الأدب من جميع الاختراقات التي قامت بها الحقول المعرفية الأخرى، بحجة أن فهمها الأدب كان مجرد إسقاطات لا علاقة لها بطبيعته، وهي إلى ذلك مجافية للفهم العلمي إلى حد كبير. وتوصلت في آخر ما توصّلت إليه، إلى فكرة "أدبيّة الأدب" عبر توجهها نحو إيجاد علم للنقد متوازٍ مع سائر العلوم: (النفس، الاجتماع، اللغة، الفلسفة...)، ومستقل عنها.
ويبقى أن هذا المبحث ليس بصدد تقويم لهذه المناهج، ولا للحقول المعرفية المنتمية إليها، كما أنه ليس قادراً أن يَجزم بمشروعيّة ما ذهبت إليه حركة الأبوياز التي تلاقت بعلميتها مع ما ذهب إليه سوسير في توجهه نحو إيجاد علم اللغة، وصبّت معه في المنهج البنيوي الذي رأى إلى نفسه أنه المنهج العلمي، وأنه الشرعيّة الوحيدة في مقاربة الخطاب الأدبي.
وحاول الفرنسيون، في ستينات القرن الماضي تجاوز هذا المنهج من خلال توجههم إلى قبلة السيميولوجيا، وانتقده كثيرون. وصل الأمر ببعضهم إلى أن وصفوه "فلسفة موت المؤلف" (روجيه غارودي).
ويبقى أنّ الجهد الكبير الذي بذله البنيويون ومؤسسو هذا المنهج في البرهنة على أنهم المدافعون الحقيقيون عن الأدبية، لا يجعلنا نقرّ لهم بما ذهبوا إليه، لأن المسألة الأدبيّة غير قابلة لأي حصر. فالخطاب الأدبيّ، وبقطع النظر عن رأي تفكيكيّة ما بعد الحداثة فيه، وعن تطرّفها في ما تذهب إليه، هو موئل جميع الحقول المعرفية. تتلاقى فيه وتتحاور فيما بينها، بلغة غير معلنة، وغير واعية أحياناً (تيري أيجلتون، فكرة الثقافة، رأي إليوت، ص 225) فترسم آفاقه، وتحدد معالمه الفنية، وأبعاده الجمالية، والرسائل التي يحملها. صحيح أن الخطاب الأدبي ليس خطاباً تاريخياً، أو فلسفياً، أو نفسياً، أو اجتماعياً، وأن اكتشاف الأبعاد التاريخية والفلسفية والنفسية والاجتماعية فيه هي وظيفة تلك الحقول، إلا أنّ ذلك لا يلغي أن نبحث في هذا الخطاب عن تجليات تلك الحقول، وعمّا فعلته في إنتاج جماليات الخطاب، وما حمّلته إياه من رسائل.