قراءة كتاب في مدار النقد الأدبي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في مدار النقد الأدبي

في مدار النقد الأدبي

كتاب " في مدار النقد الأدبي " ، تأليف د. علي مهدي زيتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

6- جدل الثقافة/السياسة

هل يعني كلّ ما مرّ أن الثقافة العربية نتاج السياسة؟ وإذا صحّ ذلك. هل يعدّ عيباً من عيوب الثقافة؟

لم تكن النخبة العربيّة ممسكة بزمام الأمور. وجدت نفسها، وفي لحظة تاريخية شديدة القساوة، لا تمتلك سوى الخطوط العريضة من معارف العصر، ففكّرت داخل آليات المتاح من الثقافة. والمتاح لم يكن معارف ناجمة عن أسئلة المجتمع حول إمكانات تطوّره، فلم يكن لديها ثقافة وطنية ناجمة عن فهم المشكلات الوطنية. وجدت، لذلك، نفسها في مواجهة الغرب الغازي الآتي لنهب الثروات وتحويل المجتمع إلى سوق استهلاكية، عبر ثنائية التجزئة وإسرائيل. وكان عليها أن تخوض معركة مصيريّة لا تسمح بأسئلة غير أسئلتها. والسؤال المشروع داخل هذه المعركة هو كيف نواجه المشروع الغربي بكلّ أثقاله، وأهواله، ومخاطره الإستراتيجية؟

حضر الهمّ السياسيّ وكان من الطبيعي أن تخترق السياسة الثقافة اختراقاً قويّاً يلحقها بآليات اشتغالها. الأساسيّ ما يرتبط بمشروع المواجهة، والهامشيّ ما يقع خارج ذلك المشروع. وهو ترف مهما بلغت إنجازاته المعرفيّة المستقلة عن التناقض الأساسي مع الاستعمار. لقد حسم النضال ضدّ الاستعمار الموقف كلّه وأزيح القطريّ والاجتماعيّ لحساب القوميّ (جابر عصفور، ص 35). ولا يُعدّ تعالي السياسي على الثقافي عيباً (آدم كوبر، ص 16)، كما يرى آدم كوبر الذي رفض استحضار الثقافة، ممثّلة بالحركات الاجتماعية، القائمة على القوميّة، من أجل التحريض على فعل سياسي (م.ن.، ص 13).

لقد كانت محوريّة السياسة في الحياة الثقافيّة، طريقة الحياة، عاملاً إيجابيّاً أوجد ثقافة مرتبطة بالواقع المعيوش، وانتقلت صورة اليهودي في الذهن العربي من صاحب مشروع غير أخلاقي غير إنساني مهزوم في المدينة وخيبر إلى صاحب مشروع غير أخلاقي غير إنساني أيضاً، لا يهدّد المعتقدات فحسب، ولكنه يهدّد الوجود أيضاً. وما وصلت إليه المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين هو نتاج تحوّل تلك الصورة. فالعالم العربي، وفي القرن الحادي والعشرين، ما زال يعيش مفاعيل ما صنعه الغربيّ به في بداية القرن العشرين. مئة سنة مرّت والنظام العربي الرسمي، ما زال حجر عثرة أمام طرح أسئلة جادة وفاعلة تطال المجتمع، والصناعة، والثقافة.

المنظمات الشعبيّة وحدها حاولت أن تتبنّى هذه الأسئلة. وما وصلت إليه المقاومة الإسلامية في لبنان من أجوبة علميّة وتقنيّة وعسكريّة وتربويّة ناجعة هو نتاج طرح أسئلة تتعلّق بإمكانيّة التفوّق على المتفوِّق. كانت طريقة حياة المقاومة الإسلامية مبنيّة على العلم الذي كان مصدر تفوّق الإسرائيلي. عملت فأثبتت أنّ بالإمكان قلب التراتب من ثنائية (الآخر الإسرائيلي/الذات المقاومة) إلى ثنائية (الذات المقاومة/الآخر الإسرائيلي، ومن ورائه الغرب والنظام العربي الرسمي المستسلم). ولعلّ أهم النتائج التي ترتّبت على انقلاب التراتب أن الثقافة العربية الحديثة، بكل أبعادها، لا يمكنها إلّا أن تكون نتاجاً للسياسة. فالمعركة التي تُخاض ستصوغ الذات والمعرفة، وستعيد إنتاج التراث، وستحدّد العلاقة الصحيّة بالآخر كائناً من كان. والحياة الثقافية التي تمركزت في المرحلة الأوسع من القرن العشرين بآليات اشتغالها هي النسب الممتد إلى هذا الزمان، وإن كانت المرحلة الحالية تطرح أسئلة جديدة تستوجب الإجابة عنها، لكي يستطيع المجتمع الاستمرار في الحياة بأمان وسعادة.

الصفحات