كتاب " بونا هكتور " ، تأليف جورج فرشخ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب بونا هكتور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بونا هكتور
2- إهدن-زغرتا البداية والنهاية
يتذكّر البونا هكتور أنه كان زاخر القلب بالغبطة ومفعم الصدر بالرجاء، وهو يغادر بكركي. أحس وكأنه يطير لشدة ما كان خفيفًا، رشيقًا. جاء بطلب واحد: رعية إهدن-زغرتا. وإذا به يعود بالرعية، وبهديتين: بركة أبينا البطرك وابتسامته العزيزة.
من الأساس، رهن نفسه لإهدن-زغرتا. قبل أن يعرض عليه البطرك المعوشي السفر إلى روما كان عاهد نفسه ألا يخدم إلا رعية إهدن-زغرتا. الرعايا كلها خدمتها واجب مقدس. وهي بالتأكيد أرْيَح وأهم، وأشد تقديرًا لراعيها. وهو يسعى خلف الصعوبة والتعب في إهدن-زغرتا، ومع أبناء إهدن-زغرتا. لم يكن متوهّمًا. كان واثقًا أنه سينهك معهم. ولكنه لم يعمل كاهنًا ليطلب الراحة والترف. هو أكثر من يعرف أن العمل في حقل الرب ليس سلوى، خصوصًا في أيام القسمة والتقاتل. ويصرّ على البقاء بينهم، لأنه يعرف في العمق أن هذه رسالته الحقيقية، وأنه لم يولد في تلك البيئة، ولتلك العائلة كي يختار السهولة، بل كي تكتمل فيه إرادة الخالق.
حين اختاره البطرك المعوشي للسفر إلى روما، ترجم الطالب الإكليريكي هكتور الدويهي تلك الرحلة على أنها هدية من سيدة زغرتا، ونعمة من ابنها الحبيب، ليزداد علمًا وإيمانًا، ويعود إلى إهدن-زغرتا مسلّحًا بطبقة سميكة من الثقافة. وتوطدت عزيمته على البقاء فيها للتصدي لمشاكلها وتعقيدات أبنائها، ويحاول معهم إيجاد الحلول الموآتية لها.
إهدن-زغرتا هي البداية والنهاية. ألم يحفر أحدهم على الجدار المتاخم لمذبحها الطاهر حرفي الألفا والأوميغا (L’Alpha et l’Omega) الألف والياء؟ لقد أمضى هكتور سنوات طويلة من طفولته ويفاعته وهو يتساءل عن مغزى هذين العملين الفنيين ومعناهما، وخلص إلى الاعتقاد بأنهما للزينة. وحين اكتشف المعنى، وكان قد ارتدى الجبة السوداء لانتسابه إلى الإكليريكية الصغرى في غزير، شكّل ذلك الاكتشاف مفاجأة له، وأعطاه معنى دينيًا، ووجد فيه رسالة خاصة به، كانت تنقل في الأصلاب عند آل طنوس الدويهي وصولاً إليه، حتى إذا ولدته أمه نظر إليه أبوه يوسف بولس طنوس الدويهي، وقال: "إنه منزور لخدمة مذبح سيدة زغرتا".
البونا هكتور لم يسمع بهذه الرواية. الذين عايشوا والده يؤكدون شعوره العميق بضرورة تكريس بكره للكنيسة، واصطدموا بإصراره غير العادي على إرساله باكرًا إلى المدرسة الإكليريكية، وحرصه على متابعة مسيرته فيها، وعدم تساهله معه في كل ما من شأنه أن يلهيه أو يصرفه عن دعوته.
البونا هكتور: كان قاسيًا عليّ منذ الصغر. قليل أن أقول إنه أحبني. لكنه كان صارمًا معي. ولا أذكر أنه مارس تلك القسوة على إخوتي. كان يريدني منزهًا عن الخطأ. كان يريدني منظمًا، مرتبًا، محترمًا نفسي قبل الآخرين، أنوفًا بغير كبرياء. وعندما كنت أعود من المدرسة الإكليريكية كان يبدي احترامًا كبيرًا للجبة السوداء التي ألبسوني أيّاها باكرًا جدًا. وكان يزداد حبًا لي وخشونة عليَّ، ما كان يسمح لي بأن أفارقها ولا بأن أهينها، حتى عندما كنت ألعب فوتبول. كانت تضايقني كثيرًا في الحركة، لكن سرعان ما اكتشفت طريقة لاستخدامها لمصلحتي في اللعب. كنت أخبىء الكرة تحت أطراف الجبة وأهجم بها على المرمى، واللاعبون في حيرة من أمرهم لأنهم لا يرون الكرة... ولم يكن يسمح لي بأن أخلعها في البيت. كما كان يفاخر بمرافقتي إلى الكنيسة، ويضرع إلى السيدة بكل ما في إيمانه من حرارة من أجل أن تثبتني في دعوتي الكهنوتية. وكم كان يعتز حين يبارك له أصحابه بترقيتي.
"مسكين والدي، لم يعش ليكحّل عينيه برؤيتي وأنا أحتفل بالقداس على مذبح سيدة زغرتا. كم كنت أتوق لأن أناوله القربان المقدس في سيدة زغرتا، أو في كنيسة مار بطرس جارنا القريب في إهدن. وأحنّ إليه حين أسمع والدتي تترحّم عليه، وتأسف بدورها لأنه لم يعش ليراني كاهنًا. الله يرحمه. أذكره دائمًا في صلواتي".