قراءة كتاب بونا هكتور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بونا هكتور

بونا هكتور

كتاب " بونا هكتور " ، تأليف جورج فرشخ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

لماذا انقطع البنفسج عنكم؟ بنفسج إهدن-زغرتا كان أقواها رائحة وأطيبها عبيرًا.

كان البونا يحكي، والتشاؤم سيد الوقف. الأسود يملك سعيدًا في إهدن-زغرتا، على الثياب والأفكار، على الأمل والأحلام حين لا تكون كوابيس. مستقبل إهدن-زغرتا ليس على المحك. مستقبل إهدن-زغرتا ميؤوس منه. خسرت إهدن-زغرتا روحها، وفقدت رمزيتها، وسقط دورها في عيون الناس، وفي نظر الإهدن-زغرتاويين أنفسهم.

في الخارج، ازدهرت صورة الإهدن-زغرتاوي المجرم السفاك، وكادت تصبح مضرب مثل. واستلم الإعلام الصورة الكريهة، وبدلًا من أن يحاول فهم أسبابها وإمكانية طرح الحلول لمعالجتها، سلك الطريق السهل. كانت الشماتة والسخرية تميّزان كتابات معظمهم.

عندما قدم الرحابنة مسرحية "جسر القمر" في مهرجانات بعلبك، كتب أحد أدعياء الظرف والذكاء من أجراء "الدكتيلو" (16)، معلقًا على نجاح المسرحية قائلًا إن الوحيدين الذين لم يفرحوا بها كانوا الإهدن-زغرتاويين، واعتبروها فاشلة لأن أهل الضيعة تصالحوا، ولم يتقاتلوا، ولا ارتكبوا مجزرة.

اليوم، بات بوسع الباحثين المدققين أن يؤكدوا أن أجهزة الدولة سُخرت من أجل الوصول بإهدن-زغرتا إلى هذا الوضع المزري، لأسباب سياسية معروفة ومعترف بها، ليس أقلها التنافس على رئاسة الجمهورية.

البطرك المعوشي و الرئيس شمعون كانا لا يطيق أحدهما الآخر. وعندما أعلن البطرك المعوشي معارضته التجديد طار عقل الرئيس شمعون، وجرّد عليه حملة تشهير، لم يعرف لبنان في تاريخه الماروني الطويل أعنف منها. وذهبت الحماسة ببعضهم من أزلام رئيس الجمهورية إلى إطلاق اسم محمد المعوشي على البطرك. و"لم يدرك الأغبياء أنهم بذلك يشرفونه"، كما كتب سمير عطالله لاحقًا في واحدة من افتتاحياته النورانية في جريدة النهار.

المستغرب والمذهل أن تكتفي السلطة الكنسية المارونية، بالصمت عما يجري في إهدن-زغرتا. كان رئيس الدولة ورأس السلطة الكنسية على خلاف سياسي حاد. إلا أنهما توافقا، موضوعيًا، على أن تبقى إهدن-زغرتا على ضعفها، لأن إهدن-زغرتا ضعيفة تريح الاثنين معًا. في نظرهما، أن أهالي إهدن-زغرتا من القرويين الثقلاء، فيهم رعونة وضيق صدر وأفق. ولأنهم يلبسون مداسات مصفحة، يسمع لها صوت أقرب إلى قرع العصا المدببة على رؤوس فارغة. لأنهم ينتفضون لكراماتهم، ويقولون للأعور بعينه إنه أعور، ولرئيس الجمهورية إنه أعمى، وللبطرك: ماذا جئت تفعل في إهدن؟

وهذا الخوري الشاب يريد أن يتصدّى للوضع الشاذ، بإيمانه وكهنوته، بثقته بإهدن-زغرتا، يشدّ أزره ويسانده أخوه الخوري اميل . هذا الزوج كان مطلوبًا منه أن يعمل معجزات، في زمن هرب فيه القديسون والملائكة من كنائس إهدن-زغرتا، خوفًا على أنفسهم من الرصاص الطائش. لقد أثبت الإهدن-زغرتاويون، مرة أخرى، أن "كبرياءهم أكبر من خوفهم الله" (17) في مزيارة، وأن مسدساتهم تقية، تدخل معهم إلى الكنيسة، ويبتهل حاملوها إلى العذراء مريم أن تسدّد رماياتها.

كان البونا هكتور يتحرّك ويحرّك، ويزرع شوارع إهدن-زغرتا وزواريبها ذهابا وأيابًا. كان يعظ، ويلعب فوتبول، ويعقد الندوات والحلقات والمحاضرات، ويقيم سهرات الرقص في الأعياد، وينتقل من فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق وما بينهما، عشرين مرة في النهار، دون خوف وغير عابىء بالخطر الذي يحدق به "لأنه ابن عائلة". وكذلك يفعل الخوري اميل .

لكن الخوري اميل ينتمي إلى عائلة حيادية، وإن كانت كبيرة ولها حرمتها. البونا هكتور من العائلة الغارقة في صميم الصراع على الزعامة، وعلى النيابة، وعلى القيادة. وفي موقعة مزيارة كانت الطرف الذي سقط له العدد الأكبر من الضحايا. وأعمال الثأر في إهدن-زغرتا لم تعد تنحصر بالقاتل وأفراد عائلته الصغيرة، بل امتدت إلى العائلة الكبيرة كلها، وأحيانًا إلى حلفائها.

حصل هذا التطور بعد مجزرة مزيارة، وتعمق بعد الثورة على الرئيس كميل شمعون . وانتماء الخوري كان يشكل خطرًا عليه في (زغرتا الفوقى). وعندما أقام في بيت الكهنة كان هذا البيت يقع في الحارة التي انسحب إليها أبناء العائلتين فرنجية ومعوض وحلفاؤهما، الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم في حارة بيت الدويهي في زغرتا التحتى. ماذا كان موقفهم منه، وهو ابن الدوحة الدويهية الأكثر أصالة؟

لم ييأس البونا هكتور. ولم يتعب الخوري اميل . يساعدهما التفاف الناس حولهما، حتى قبل أن يعطيا البرهان على جديتهما، وإصرارهما على الاستمرار متحدّيين العراقيل كلها، ومستفزين محاولات القتل والربيطات التي يتبادلها المتخاصمون، معرضين نفسيهما للقتل لمنع ارتكاب جريمة. لم يكن عند الشباب خيار آخر: هذان الخوريان الشابان أو لا شيء.

بلى، كان هناك خيار آخر... كان هناك مشروع يستهدف إهدن-زغرتا، تقوده الدولة وتجيّش له أجهزتها الفعالة: أن تبقى إهدن-زغرتا منقسمة على ذاتها، وأن يقتتل الفريقان. سيقول الرئيس صائب سلام إن الدولة ستجعل أهل زغرتا يخوضون "ماتش فوتبول" بين بعضهم. وبعد ذلك، نرى من سيبقى في الساحة ويترشح لرئاسة الجمهورية" (18).

الصفحات