أنت هنا

قراءة كتاب البناء والإنتماء - الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البناء والإنتماء - الجزء الأول

البناء والإنتماء - الجزء الأول

كتاب " البناء والإنتماء - الجزء الأول " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمة

حكمةٌ وتمرّد المنزلة الثالثة في الفقه الأخلاقي

إيضاح منهجي

تعرفنا في كتاب «الفقه الأخلاقي، نقد ثقافة الحشد والفضيلة الناقدة» المقدمات النظرية للفقه الأخلاقي. في حين كان كتاب «نهج تطوير الذات» بعض شروط الخروج من عطالة الذات وتجديد العزم لكسب أخلاق أخرى تُعيد الحياة في العروق اليابسة لإرادة الحرية والتقدم. في التعايش مع الحياة على أنها حقيقة أخلاقية يعني كون حقيقة الأخلاق حياةً للتعايش. فلا الهزيمة ولا التخلّف ولا الرذيلة، عبارة عن سبب، هذه ليست أسباباً يجب كبتها أو إجراء حملة تطهير بالفتوى، أو التكفير، أو القتل، أو النفي، بل هي نتائج، والنتائج مسبوقة بمقدمات هي التي أدت إلى عطالة الذات وشلل الأمة. ومن هنا حينما يهتم الفقه الأخلاقي القائم على الضمير والعدل وحب الكمال والحرية بصفتها تربية، بالعقائد، فهو لا يهتم بها بصفتها معادلةً رياضيةً يتذاكى التلاميذ في سرعة حلها على سبورة ثابتة على حائط الوراثة القديم. الفقه الأخلاقي يقرأ هذه العقائد ويدخل في سجاليات الملل والنِّحل والطوائف والمذاهب، بكونها سلوكيات مسؤولة عن تطبيق العدل الشرعي والطبيعي، لا بد من وزنها بميزان الضمير وحب الجمال والحرية. لذا مهما كانت أدلة هذه العقيدة أو تلك، سليمة منطقياً، أو عميقة تحليلياً، فهي لا قيمة لها من وجهة نظر الفقه الأخلاقي إذا ما ناصرت البشاعة أو كانت وسيلة للقمع والقهر، حيث تنقلب البحوث العقائدية قديماً وحديثاً من بحث ونظر في أدلة الإقناع إلى ضرب من سيكيولوجية العدوان والخصومة والتشهير، وهو أمر يتطلب موقفاً اعتزالياً ذا روح جديدة. فالعدل الذاتي سبحانه وتعالى لا يتم الوصول إليه بالظلم والجور، والجمال المطلق جلّ شأنه لا تكون البشاعة فقهاء لشريعته ولا علماء لمعارفه، وإن تشبّهوا بذلك أو اعتاشوا من بيع بضاعة مختومة بزيف المشابهة. وهذا هو سبب انقلاب الدين من تجربة فرح وبهجة، حيث كان يبتدئ بلقاء النبي الوحي والله، إلى تلويث الدين بكونه تجربة في الألم. حتى كأن الإيمان والأخلاق والتقوى عبارة عن إكراهات شيزوفرانية، فيكون كلّ شيء عدواً للإنسان: النفسُ عدواً، الجسدُ عدواً، الشهوة عدواً، الراحةُ عدواً، الكلام عدواً، الاختلاط عدواً، الكدّ وطلب المعاش عدواً.. إلخ ولا ندري مَن تبقى في الوجود وفي الحياة يمكننا حتى مجرد التصور أنه يمكن أن يكون الصديق؟!.

في حين أننا أدركنا في كتاب «الفقه الأخلاقي» وفي كتاب «النقاء والارتقاء» أن التوازن في الحياة الروحية ملازم للإصلاح الاجتماعي. حيث يحقق الأخلاقي الفقهي منعرج التديّن المسؤول لموقع الإنسان في الحياة ومسؤولية الحياة كموقف تقديس إلهي ومصلحة بشرية، ويكون التدين بهذا جزءاً من معاناة التأويل وتوقّد التطوير والتجدد، الفقه الأخلاقي هو بداية الدرب لشفاء الميتافيزيقا الدينية عموماً والإسلامية خصوصاً، الشفاء من ذهنية التجريد والانعزال والارتياب في الأنا والآخر والفكر الطبقي المُضمَر.

ففي حقيقة الصفات الحسنة لا تثبت في الروح وتكون منازل ومقامات في النفس الإنسانية إلّا من خلال الاحتكاك بميدان الحياة العامة حيث الكي بنيران الاحتياجات الضرورية والثانوية، وعندئذ تتم عملية المراقبة والمحاسبة فقط، ثم ضبط مقدار رقي الإنسان في سُلّم المعنويات، وهذا يعني أن الصداقة هي الأصل وهي القاعدة، وأن العداوة فرع واستثناء لا يُقاس عليه، لأن السالك يتعامل مع الوجود لكونه عطاء الله سبحانه، ولأن الموجودات كافة هي تجليات الحكمة في الخير والاختبار، فما لم يتعلمه القلب بالقراءة يتعلمه بالتجربة، وما لم يتعلمه بالسهولة والرّفق والنعيم، يتعلمه بالحرمان والمشقة، وكل هذا جميل لكون الصبر عليه والتعلم منه يعني الاقتراب من شمس الحقيقة. فالنفس والشهوة والجسد والحياة هي كلها أصدقاء وليست أعداء، فالعداوة لها شرط واحد هو الابتعاد عن الحق وهو مستحيل لكونه أقرب إلينا من حبل الوريد. وهكذا يبقى الفقه الأخلاقي أميناً في رؤيته بعدم الفصام بين الواقع والمسؤولية، بين العلم والتجديد، بين الدين والحضارة، بين الحق والحرية. حيث يستمر المسير في أشعة العقائد في تطوير حياة الإنسان، وبين مصير اليوم الموعود بالسعادة حيث الانتقال من أخلاقيات مجتمع الضيق إلى أخلاقيات مجتمع السّعة، حيث يكون الحكم الإلهي قنطرة لإعلاء قيمة الإنسان والرقي إلى الأفضل في الوجود.

ويأخذ الإنسان العجب من قدرة أجيال كاملة في تكرار بحوث معروفة واجترار مفاهيم موروثة، حتى غدت الكتابة في العقائد مراكمة لتكرار فوق تكرار، بلغ به حد التطاول والسرقة. هذا ما نجده لدى ابن تيمية والعلّامة الحلي وصولاً إلى العلّامة المجلسي وصدر المتألهين والعلّامة الطباطبائي (وما بالك بكتب صغار الباحثين وعمائم المنابر وأمثالهم!)، حيث غدت كتابات هؤلاء سرقة كتب بأكملها بطريقة وقحة؛ فمن جانب تتحول الكتابة إلى لصوصية ومن جانب يقوم المؤلف السارق نفسه بالاستهزاء لكون الآخر مختلفاً معه عقائدياً، وهذا ما نجده واضحاً في موقف صدر المتألهين من الرازي، وموقف محمد حسين الطباطبائي من الغزالي. فكلاهما يسرق صفحات بل كتباً كاملة، ولا يتم ذكر اسم المؤلف الأصلي بالمرة في حالة عدم القدرة على الإيتاء بجديد. لكن ما أن يتم العثور على هفوة أو خطأ حتى نجد ملّا صدرا والطباطبائي (وقبلهما ابن تيمية والعلّامة الحلي) يذكران الأسماء صراحة!. وهو أمر يقتضي إعادة بناء البحث التاريخي وفق المتابعة التاريخية وليس العقلية البرهانية. فمن قبل فعل هذه الممارسة اللاأخلاقية كاتب أخلاقي كبير وعارف شامخ!، نعم الأول كان أبا حامد الغزالي مع الاسماعيلية فهو قد سرق تعاليمهم وبحوثهم في العقليات والروحيات والسياسات، لكنه في الوقت ذاته كان يشنع عليهم نصرة لمذهب النظامية الرسمية التي كان هو موظفاً في بلاطها. والثاني هو ابن عربي الذي كرر ممارسة الغزالي في إعادة مخطوطات الإسماعلية والشيعية، في قضايا الروحنة ونقد نظرية المعرفة، وفي الوقت نفسه شبههم بالخنازير!!. فالتخندق الوظيفي للفقيه والمتصوف والشاعر، كانت تنتهي حتى بأروع الانجازات الإبداعية الأخلاقية إلى انتكاسات استحواذ عنيف وهجاء في شراسة التنكيل بالمخالف، والسبب هو البُعد الخدمي للموظف في التراث القديم، وهي المشكلة التي لا تزال سارية في أداء مثقفنا المعاصر).

الصفحات