كتاب " البناء والإنتماء - الجزء الأول " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب البناء والإنتماء - الجزء الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البناء والإنتماء - الجزء الأول
الإشكال الثاني: إن عدداً من الأساسيات في الدين لم يندرج بوضوح في هذه الخمسة، سواء من أصول الإسلام أو من أصول المذهب. كوجود الله سبحانه وعلمه وقدرته، والنبوة العامة يعني الإيمان بنبوة الأنبياء السابقين، بعد أن يكون المراد من النبوة في الخمسة هو النبوة الخاصة يعني الإيمان بنبوة نبي الإسلام «ص». وكذلك الإيمان بالقرآن الكريم.
وكذلك الإيمان بأهمية فاطمة الزهراء سلام الله عليها، والإيمان بعصمة المعصومين سلام الله عليهم. وبأنهم مصدر التشريع. والإيمان بغيبة الإمام المهدي عليه السلام، وأنه يظهر في المستقبل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وجواب ذلك من وجهين:
الوجه الأول: إن هذا الذي شرحناه وإن كان مهماً جداً في الدين أو في المذهب، إلا أن تلك الخمسة أهم منه، أو هي الرئيسية في المجموع المذكور. وقد اختاروها لتسهيل تناولها وحفظها، وليس فيها إنكار للمفاهيم الأخرى الضرورية، والعياذ بالله. وإنما يجب الإيمان بهذه الخمسة وبغيرها على السواء.
الوجه الثاني: إن كل هذا الذي شرحناه في الإشكال مما لم يتم بيانه في الخمسة، يمكن اندراجه ـ بشكل أو بآخر ـ فيها نفسها.
فوجود الله سبحانه وتعالى وصفاته يمكن إدراجها في التوحيد، والنبوة العامة داخلة في مفهوم النبوة. إذ يمكن أن نفهم منها الأعم من النبوة العامة والنبوة الخاصة. يعني الإيمان بسائر الأنبياء بمن فيهم نبي الإسلام صلى الله عليه وآله.
وكذلك يندرج القرآن الكريم، والإيمان به ضمن معنى النبوة، لأنه مما جاء به نبي الإسلام «ص»، وكذلك يندرج فيها الإيمان بحب فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فإنها بنت النبي المصطفى صلى الله عليه وآله. أو أنها تندرج في الإمامة من حيث أنها أم الأئمة، وأن أهميتها الإلهية لا تقل عنهم. فهي مثل أحدهم، ولو لم تكن امرأة لكانت فعلاً واحداً منهم. ولكن خلقها الله سبحانه كامرأة لتؤدي دوراً غير الدور الذي يؤديه الرجال.
وأما الإيمان بعصمة المعصومين «ع» فهو يندرج في مفهوم الإمامة أكيداً، كما أن الإيمان بالمهدي يندرج فيها أيضاً. لأنه الإمام الثاني عشر منهم سلام الله عليهم.
ومهما يكن من أمر فإننا إن وجدنا الوجه المنطقي لاندراج الأمور الأساسية الأخرى في هذه الخمسة، فهو المطلوب. وإلا كان علينا الإيمان بالجمع، وإن زادت على خمسة، كما أشرنا في الوجه الأول. ويكفينا ما كررنا من أن من جمعها بهذا الشكل إنما أراد الوضوح والتسهيل على الناس لا أكثر ولا أقل. ولم يُرد إنكار العقائد الأخرى. لكن يكون عندئذ من الواجب على المفكرين المتشرعين أن يقوموا بتفهيم ذلك إلى سائر الناس على أحد هذين الوجهين).
وفي ذلك كان السيد الصدر الثاني من السباقين في طرح مشكلة استحالة تعميم الاجتهاد في أصول الدين لأفراد المجتمع كافة، كما أنه من المتشددين في بيان كون الدين ليس اصطلاحات وإنما هو تطبيقات، لذا لا قيمة لكل الدروس العرفانية والفلسفية التي جرفت علم الكلام وصعدت به في تعجيمات لغوية على حساب الوضوح الحركي في تنظيم المجتمع المسلم، وفي إنقاذ الإنسان المؤمن من ذل التبعية والانسحاق تحت وطأة الحاجة المعيشية والتعليمية؛ هنا يكرر الصدر الثاني الموقف الذي تعرفنا عليه في كتابنا (الفقه الأخلاقي) حول وسطية الدرس العرفاني بين الرفض والقبول :
(ان هناك سؤالاً ملحاً عن الاعتقاد بأصول الدين يلتفت إليه الكثيرون يحسن عرضه والجواب عنه. وحاصله: أن الفقهاء قالوا: إن التقليد في أصول الدين ممنوع، لأنه منهي عنه بصراحة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى (قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ). وقوله عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ). وقوله (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ). وفي آية أخرى (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)وإنما التقليد خاص بفروع الدين، وما يخص الفتاوى العملية. وأما شموله لأصول الدين فلا. بل لا بد لكل فرد أن يكون مجتهداً في الاعتقاد بهذه الأصول. فإن الاجتهاد ضد التقليد، لأن الفرد إما مجتهد وإما مقلد ولا ثالث لهما. فإذا جرى المنع من التقليد تعين الاجتهاد.
مع العلم أننا إذا التفتنا إلى الأكثرية الكاثرة في المجتمع من متوسطي الثقافة والعقلية والمتدينين فيها، يستحيل عليهم عادة أن يدركوا أو يستوعبوا البراهين على أصول الدين لكي يكونوا فيها مجتهدين ومحققين. بل هذا متعذر عند الغالبية بأي من مقدماته وتفاصيله ناهيك عن الجميع. فكيف الحال بمن لا يقرأ ولا يكتب، ولم يمر على القرآن الكريم ولا السنة الشريفة ولا المصادر الرئيسية في الدين. ونحوهم بعض النساء العاطلات اللاتي لا يفهم منهن الكلام ولا يعرف لهن مرام.
ومثل هؤلاء الناس عاجزون جزماً عن الاجتهاد في أصول الدين. وتكليف العاجز مستحيل عقلاً. إذن، فتكليفهم بذلك مستحيل. إذن، فكل من الاجتهاد والتقليد في أصول الدين منسدّ بابه في وجوههم. مع العلم أنها واجبة عليهم إجمالاً، ولا يحتمل سقوطها عنهم لأن ذلك يعني خروجهم عن الدين وهو ممتنع. فما العمل بعد انسداد كل الاحتمالات؟