أنت هنا

قراءة كتاب البناء والإنتماء - الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البناء والإنتماء - الجزء الأول

البناء والإنتماء - الجزء الأول

كتاب " البناء والإنتماء - الجزء الأول " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

الناحية الثانية: إن أعمق وأوسع الاستدلال على أصول الدين ومطلق العقائد، في القواعد الظاهرية الموروثة، إنما هو في الفلسفة الإسلامية التقليدية التي هي أعمق من علم الكلام وألطف بما لا يقاس من الدرجات. ولئن ورد النهي في بعض الروايات عن الإفاضة في علم الكلام، فإنه لم يرد نهي عن الإفاضة في الفلسفة.

غير أنني أعتقد أن المستويين الثالث والرابع ينبغي أن يتعاضدا ويتعاهدا على الوصول إلى النتائج الواقعية. وقد سبق أن كررت هذا المعنى كثيراً في خلال عمري، أن الفلسفة بلا عرفان قشر بلا لب. وأن العرفان بلا فلسفة لب بلا قشر.

وهذا معناه أن الفاكهة المفضلة، كما خلقها الله سبحانه هي لب وقشر معاً ولا يصلح أحدهما من دون الآخر.

أما استفادة الفلسفة من العرفان، فإنه يفتح لها حسن الاستدلال وحسن النتائج معاً. ولا يكون سير الفيلسوف سيراً في ظلام، بل تكاملاً في نور. ولا يحس بذلك إلا من جربه.

ولهذا مزج عدد من الفلاسفة فلسفتهم بالعرفان، فأصبحت من هذه الناحية من أفضل الفلسفات وأجل المؤلفات، منهم: صدر المتألهين الشيرازي صاحب كتاب: الأسفار الأربعة. والشيخ ملا هادي السيزواري صاحب المنظومة في الفلسفة وله حاشية جليلة على الأسفار الأربعة نحا فيها المنحى المشار إليه. وهما معاً موفقان في هذا الصدد.

وأما استفادة العرفان من الفلسفة فمن جهات أهمها:

أولاً: أنها تصلح أن تكون تعقلاً وترتيباً برهانياً للفهم العرفاني الوجداني الساذج.

ثانياً: أنها تصلح أن تكون حجاباً وستراً للأسرار الإلهية العرفانية. فإنها عندئذ يمكن التعرف بها بالثوب الفلسفي المناسب.

وعلى أي حال، فالفلسفة إنما تمنع العرفان من زاوية إثباتية يعني لتعريف الآخرين أو قل: بعض الآخرين بعض صيغ الحقيقة المجردة، وإلا فإن كان الفرد موفقاً لكي يكون بعيداً عن الآخرين ولا يشعر بتكليفه الشرعي أو الإنساني لتعليمهم أو هدايتهم، فلا حاجة إلى الفلسفة عنده. بل يكون اطلاعه العرفاني أوسع وأعلى وأصفى لا محالة.

ومن هنا قد نجد أناساً ممن لا أخلاق لهم في الظاهر، ممن لا يعرف القراءة والكتابة ولا يدري الآخرون عنه كلاماً ولا يحترمون له مقاماً. نجده من ألطف العارفين وأعلى الأولياء والمتقين. ولا ضرورة لأمثال هؤلاء إلى أي سطر من الفلسفة.

وإذا رجعنا إلى الكلمة التي قلناها من: أن العرفان بلا فلسفة لب بلا قشر، نجد أن كل اللب وحده هو الألذ. بل لا بد منه لأكل كل فاكهة وأكل الفاكهة بقشرها غير مستساغ. وإنما الفلسفة إذا أرادت لنفسها النتيجة الصالحة، لو صح التعبير، فإنها يجب أن توصل صاحبها إلى العرفان. وأما بدون ذلك، فهي الضلال البعيد، وقديماً قالوا: من تمنطق تزندق. أي بدون الاعتماد على علوم أهل البيت «ع» ومعارفهم الحقيقية.

أصول الدين مرتبطة بالحياة كسلوك له ثمراته الاجتماعية الإقليمية ومساعيه لتكوين خطاب حضاري عالمي، هذا مطلب يشدد عليه محمد الصدر بقوة، ولعل السطور أعلاه تمثل مختصر الأسس البنيوية لموسوعته الضخمة موسوعة الإمام المهدي، حيث تكون العقائد عمقاً حضارياً مستمراً في رحلة محنة التاريخ وتكوين فكرة العدالة كمطلب اجتماعي وسياسي؛ فأصول الدين ليست درساً وعظياً ولا فكراً تجريدياً.

فإذا أضفنا إلى ذلك دفاع مدرسة الصدر عن حرية الإنسان بوجه الاستبداد الديني ونقد المؤسسة الدينية، ورفض الحتمية التاريخية والجبرية الاجتماعية، والطاغوتية السياسية، فعندئذ تتحقق لدينا أسفار أربعة في تكوين العقيدة الإيمانية، على أنها قضية تكون فيها العقيدة أيديولوجيا الوعي، والأخلاق أيديولوجيا الحرية.

وإذا كان محمد الصدر في فقه الأخلاق، قد حدّد الفقه الأخلاقي بكونه نظام السلوك، فإن كلاً من قراءة الوجود التي تتفرع منها مسائل الفقه «ثبوت الإله وثبوت صفاته التي منها الحكمة واللطف اللذان هما أساس بعث الشريعة»، وقراءة الإنسان «ثبوت الأخلاق التي منها فطرية شكر المنعِّم، وحق الطاعة» يلتقيان في مصبّ واحد هو الفقه الأخلاقي، فيتم الانتقال من العقيدة اللاهوتية إلى العقد الاجتماعي، انتقالاً من النظر إلى العمل وهذا ما خطط له الصدر الثاني في كتابيه «تاريخ ما بعد الظهور» و«أشعة من عقائد الإسلام» حيث يتم تطوير العقيدة من مسائل ذهنية إلى قضايا اجتماعية. وهكذا تتصالح بحوث العقل مع النقل، وبحث العقليات الأصلية التي هي كليات وجودية وأحكام العقل والوجود العامة، مع قضايا الاعتبارات والخُلقيات. ويمتزج بحث الحقيقة والشريعة والطريقة، في كأس واحدة هي فراتٌ سائغ للشاربين.

الصفحات