قراءة كتاب البناء والإنتماء - الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البناء والإنتماء - الجزء الأول

البناء والإنتماء - الجزء الأول

كتاب " البناء والإنتماء - الجزء الأول " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

وجواب ذلك: إنّ الشيء الذي يمكن التنزل عنه نظرياً في هذا الصدد هو وجوب الاجتهاد مع العجز عنه أكيداً، إلا أن هذا لا يعني جواز التقليد. بل يمكن أن ننتقل إلى حالة ثالثة هي الاطمئنان إلى صحة أصول الدين، والاطمئنان حجة كافية ومعتبرة شرعاً أياً يكن سبب حدوثه. وأما إذا لم يحدث للفرد الاطمئنان إلى أصول الدين فهو مما لا سبيل إلى الاعتراف بإسلامه.

فإن قيل: كيف يحدث الاطمئنان للفرد مع عدم وجود المقدمات النظرية الكافية المسببة له، أو قل كيف يحدث ذلك مع عدم الاجتهاد والبحث النظري عن صحة تلك المفاهيم.

قلنا: إن كان الاجتهاد والبحث النظري ممكناً، فهو المطلوب. ولا يكون الاطمئنان مقبولاً ولا مجزياً بدونه. إلا أننا نتكلم الآن في فرض العجز عن الاجتهاد. والتكليف مع العجز متعذر. إذن، فالعامي لا يطلب من الاجتهاد ولا يجزئ منه التقليد، وإنما يجزئ منه الاطمئنان.

وهذا يمكن أن يحدث للعامي بأسلوبين:

الأسلوب الأول: ما يكون من العقائد مقدماته واضحة ووجدانية إلى حد تكون حسية أو قريبة من الحس. فيمكن القول إنه لا يعذر فيها أحد. ولذا يذم في القرآن الكريم من يكذب بالآيات في عدد معتد به من الآيات القرآنية. والمقصود بالآيات هنا الدلائل الواضحة على أصول الدين كوجود الله وتوحيده، وعدله وكرمه.

وبالرغم من أنه يمكن القول إن المقدمات المهمة أو الرئيسة لكل أصول الدين واضحة ووجدانية وليست معقدة. فلا أقل من أن نقول: إن المقدمات المهمة لثلاثة منها كذلك جزماً وهي أصول الإسلام: التوحيد والنبوة والمعاد.

فوجود الله معلوم بخلقه. وتوحيده معلوم من شهادته به. والنبوة معلومة من إعجاز القرآن وتواتره. والمعاد معلوم بنص القرآن والتواتر أيضاً. وهذه العبارات وإن كانت نظرية لا يفهمها الأكثر، إلا أن مضمونها العرفي واضح وقريب للأذهان.

الأسلوب الثاني: وهو خاص بمن كان في المستوى المتدني بحيث لا يمكنه حقيقة حتى إدراك المستوى الأول الواضح.

عندئذ يمكن الاكتفاء منه بمجرد حدوث الاطمئنان. ويمكن أن يحدث الاطمئنان لأي فرد بمجرد الالتفات إلى التسالم على صحة أصول الدين:

أولاً: إنها مما آمن به الملايين من الناس جيلاً بعد جيل.

ثانياً: إنها مما آمن به الباحثون والمفكرون والعلماء.

ثالثاً: إنها مما آمن به الصالحون من الناس والأتقياء الذين لا نعرف منهم ولم يصدر عنهم إلا الخير والصلاح. كالمعصومين «ع» وجميع الصالحين من الناس.

رابعاً: إن الفرد يلتفت إلى أنّ مفاهيم أصول الدين مبحوثة مفصلاً بكثرة في كل الأجيال في كثير من الكتب. ونتائج بحثها صحيحة لدى الجميع. إذن، فهو يعلم ولو بالإجمال بصحتها وهو كاف له.

الأمر الثاني: مما ينبغي التعرض إليه حول أصول الدين:

إنه قد يخطر في أذهان بعض المفسدين أن يقولوا: إن الإيمان بأصول الدين مناف مع عالمية الدعوة النبوية الإسلامية.

فإننا عرفنا بضرورة الدين عموم الدعوة إلى جميع البشر وفي كل الأجيال منذ الجيل المعاصر للإسلام وإلى يوم القيامة وفناء البشرية. وهذا معناه أن الإيمان بأصول الدين عام بهذا الشكل الواسع، لأن الإسلام ليس إلا أصول الدين.وهذا يتوقف على أن تكون أصول الدين سهلة وواضحة وليست معقدة ومطولة. فإذا علمنا أنها معقدة علمنا تعذر انتشار هذه الأصول الخمسة بين البشر، ولاسيما المتدنون في الثقافة منهم، وهم غالبية البشر، وغير العرب منهم وهم الأكثر منهم، وخصوصاً تلك اللغات التي لم تترجم إليها الكتب العربية، ولم تصلها الأفكار العربية. ولا ينبغي أن ننسى هنا أن الكتاب والسنة عربيان.

وجواب ذلك يكون على عدة مستويات منها:

المستوى الأول: ما قلناه من وضوح الفهم وتيسيره بالنسبة إلى عامة الناس في أصول الدين. ولذا وجدنا الملايين في غير العرب يفهمونها ويؤمنون بها ويدخلون في دين الله أفواجاً. لا تمنعهم عن ذلك لغتهم ولا تقاليدهم ولا بعدهم عن مركز الرسالة الإسلامية.

المستوى الثاني: إن الإسلام ليس واضحاً من ناحية أصوله فقط، بل من ناحية فروع الدين أيضاً. فإنها تعبير آخر عن العدل الإسلامي الكامل والنظام الفاضل الذي يكفل سعادة البشرية كلها. وللإسلام وقادته ومفكريه من المزايا ما فاق حد الإحصاء.

المستوى الثالث: إن التبليغ الإسلامي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الناس كلها عناوين واجبة إجمالاً. إن توقفت على الترجمة إلى لغات أخرى وتفهيم غير العرب بها، أو أي شعب من الشعوب أو أي فرد من الأفراد. كانت تلك المقدمات واجبة شرعاً لا محالة. وهذا مما أدركه وقام به كثير من أهل الاهتمام بالدين والهمة إلى هداية الآخرين، خلال الأجيال بمن فيها جيلنا الحاضر.

الصفحات