أنت هنا

قراءة كتاب سمرقند

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سمرقند

سمرقند

كتاب " سمرقند " ، تأليف أمين معلوف ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
في أعماق المحيط الأطلسي كتاب. وقصّته هي التي سأرويها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

5

تبع أقوالَ الحاجب همساتٌ وهمهمات، وساد الصخب صفوف الشعراء العشرين الذين كانوا ينتظرون أدوارهم، وخطا بعضهم خطوتين إلى الوراء قبل أن ينسلّوا خفية. امرأة فقط خرجت من الصف وتقدّمت بخطى ثابتة. وإذ قرأ القاضي تساؤل عُمَر المرتسم في عينيه فقد همس قائلاً:

ـ شاعرة من بُخارى تدعو نفسها «جهان». جهان كالعالم الواسع. إنها أرملة شابّة مشبوبة العواطف والصبابات.

كانت النبرة مقنعة، ولكنّها ما كانت إلا لتزيد فضول عُمَر اتّقاداً فلا تَحُول نظراتُه. وكانت «جهان» قد رفعت أسفل نقابها كاشفة عن شفتين غير مصبوغتين؛ وأخذت تُنْشِد قصيدة طليّة النسج لم يذكر فيها مرة واحدة ـ ويا للغرابة! ـ اسم الخان. لا، لقد مُدح فيها تلميحاً نهر الصُغد الذي يُغدق خيراته على سمرقند كما على بُخارى، ثم يتوارى في الصحراء لأنه ما من بحر خليق بتلقّي مياهه.

قال «نصر» مردّداً الصيغة المعتادة:

ـ لقد أحسنتِ القول، فليمتلىء فمكِ ذهباً.

وأكبّت الشاعرة فوق صينية واسعة مملوءة بالدنانير الذهبية، وأخذت تُدْخِل القطع في فمها واحدة بعد أخرى، في حين كان الحضور يُحْصُون عددها بصوت مرتفع. وإذ كبتت «جهان» فُواقاً كاد يخنقها فقد انطلق البلاط برمّته، وعلى رأسه الملك، في قهقهة طويلة. وأومأ الحاجب إلى الشاعرة أن تعود إلى مجلسها؛ وأُحصي ستة وأربعون ديناراً.

الخيّام وحده لم يضحك. فقد شرع يبحث وهو يحدِّق فيها عن الشعور الذي يعتريه حيالها؛ إن شِعرها رائق وبلاغتها جليلة ومشيتها جريئة، ومع ذلك فها هي مكتظّة بالمعدن المُصفَرّ وقد انصرفت بكلّيتها إلى هذه المكافأة المخزية. وقبل أن تُسدل نقابها زادت من رَفْعِه مطلقة سراح نظرة لم يلبث عُمَر أن جناها وامتصّ رحيقها وودّ لو يكبتها. وإنها للحظةٌ لم يستبنْها الجمهور وكانت دهراً في عين العاشق. وقال الخيّام في سرّه إن للزمن لوجهين، إن له لبُعْدَيْن، فطوله بمعدّل الشمس، وارتفاعه بمعدّل الأهواء والشهوات.

وأما هذه اللحظة المباركة من دون سائر اللحظات فقد قطعها القاضي بتربيتة على ذراع الخيّام الذي التفت. ولكن بعد فوات الأوان... لقد ذهبت المرأة ولم يعُد يبدو منها غير أثواب مُهَفْهَفَة.

إن أبا ظاهر يرغب في تقديم صديقه إلى الخان، وها هوذا يُدبّج الكلام لذلك:

إن سقفك الجليل يُظِلُّ اليوم أعظم عالِم في خراسان، عمر الخيّام الذي لا النباتات تحجب عنه مكنوناتها، ولا النجوم تكتم عنه أسرارها.

وليس من باب الصدفة أن يميّز القاضي من بين العلوم الكثيرة التي يُجلّي فيها عُمَر الطبَّ والفَلَكَ، فقد طالما استحوذا على اهتمام الأمراء، الأوّل لكدّهم في الحفاظ على صحتهم وحياتهم، والثاني لرغبتهم في الحفاظ على يُمن طالعهم.

وأبدى الأمير اغتباطه وأعلن عن تشرُّفه. بيد أنه إذ لم يكن راغباً في محادثة علمية، وبدا أنه كان مخطئاً في الحكم على قصد الزائر، فقد رأى من المفيد أن يردّد عبارته الأثيرة:

ـ ليمتلىء فَمُه ذهباً!

حار عُمَر في أمره وكبت شعوره بالغثيان. ولاحظ أبو طاهر ذلك وقَلِقَ له. وإذ خشي رفضاً يجرح شعور الملك فقد حدج صديقه بنظرة صارمة مِلحاح ودفعه من كتفه. بلا جدوى. فلقد قرّ قرار الخيّام.

ـ ليتكرّم جلالته ويَعْذُرْني فأنا صائم ولا أستطيع أن أضع شيئاً في فمي.

ـ مع أن شهر الصوم انتهى منذ ثلاثة أسابيع إن لم أكن مخطئاً!

ـ كنت في زمن الصوم مسافراً من نيسابور إلى سمرقند، وتوجب عليّ الإفطار ناذراً أن أستدرك فيما بعد ما ضاع من أيام الصوم.

الصفحات