أنت هنا

قراءة كتاب رقصة الغجر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رقصة الغجر

رقصة الغجر

كتاب " رقصة الغجر " ، تأليف محمد أحمد عسيري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مواعيد متعثرة

اليوم الأربعاء..

كعادتي أجلس جامداً فوق مكتبي كقالب ثلج. أغلقت هاتفي النقال كي لا يذكرني رنينه بمواعيدي التي أخلفتها بدم بارد، وبرعونة سحبت سلك هاتفي الأرضي بقدمي كي أختفي عن ملاحقة الخارج لي.

وحدها تلك الوردة الذابلة أمامي في المزهرية التركية ما يجعلني أشعر بالذنب. وردة قطفت بوحشية لتموت في مزهرية كل همها اندهاش الناس من جمالها وصنعتها المتقنة. أليس من الأفضل لو أنها عاشت ما تبقى لها بين يدي حبيبتي؟

ولكن أين هي تلك الحبيبة؟

كم هو مؤلم ألا يسعفني الوقت بالتفكير فيها، وقطف الورود لها من الحدائق العامة عندما أقطع الأرصفة عبوراً نحو الجهة المقابلة. لا أدري في أي شيء تافه أفكر طوال اليوم؟ أفكر أحياناً في الأوراق الملتصقة ببعضها فوق مكتبي.. أفكر في طريقة لجمع المال وأخرى لصرفه.. أفكر في ملابسي الضيقة وأزرارها المفقودة والألوان التي لم تعد تناسبني.. أفكر في شتم الزحام والإشارات الضوئية التي لا تهتم لأمري.. وأفكر أكثر في انقضاء الوقت لأهرب من رتابته.

ركام من الأفكار الموبوءة التي تقتات على خلايا الروح والحبيبة وأضواء الشموع. حتى عندما أعود كصياد فاشل لم يجرؤ على اقتناص طريدته لأنها كانت تداعب صغيرها، أستلقي بعيداً عن كل شيء يذكرني بوجهها ولون شعرها وعتابها اللذيذ.

بعيداً عن الرسائل المعطرة.. وأقراص الموسيقى الملتهبة برائحة الحياة.. وزجاجات العطر وهدايا الأعياد.. والورود الجافة المحشورة بين أوراق الكتب.

التفكير بحبيبتي يحتاج إلى مزيد من النضج، والكثير من الطاقة. يحتاج إلى ثورة هائلة كاندفاع الحمم من البركان.. وإلى جنون يشبه وقوفي عارياً في العراء تحت انهمار المطر. حتى أفكر بها يجب أن أكون كـراسبوتين محتالاً خارقاً أستطيع الخروج من عالم إلى آخر دون أن أحترق. أو كرجل يوشك على الموت وأمامه يعبر طيف من الذكريات يحمل صوراً متكررة لأشياء توشك أن تقتله.

أخبرتها ذات مساء وأنا أتهيأ للصعود إلى الطائرة أني سأكتب لها عندما أشفى من غربتي.

فرحت، ولكنها كانت تشعر برجفة تدب في نصف صدرها الأيسر تشبه سقوط الأوراق اليابسة. يبدو أنها كانت تنظر في عينيّ مباشرة.. فنظرات الأعين تُفصح عما نخشاه أو نخبئه. كان صوت النداء الأخير لرقم رحلتي مزعجاً ومربكاً لشخص يتبعثر وتتناثر أشياؤه كلما وجد مكاناً يرمي فيه جسده.

حاولت مراراً أن أكتب لها في الموعد المحدد وأنا بكامل عصفي العاطفي.. أكتب لها مباشرة وعن قصد.. أو بالأحرى لأنني أرغب في الكتابة لها. وحتى لا يداهمني داء النسيان كعادتي دونت اسمها في مفكرتي كي لا تمضي بعيداً عني، ووضعت ساعتي الهرمة في اليد اليمنى حتى إذا نظرتُ إلى ركض عقاربها وأنا أشتم الزحام شاهدتُ عينيها تعاتبني.

ولكنني دائماً ما أخيب ظنها وأهمل مفكرة مواعيدي، وأنسى لماذا وضعت هذا الصباح الساعة في يدي اليمنى!

هههههههههه...

الحبيبات لا يحتجن إلى رجل مثلي يتجول في قلوبهن كبائع الحظ ، ينادي على أبوابهن بصوت شجي. الحبيبات يردن قلباً يتسع لركضهن حافيات.. لغابة تمطرهن بماء الصنوبر.. وتلف ضفائرهن.. وتكحل أعينهن.. وتتلو عليهن من السماء قصائد عشق.

حبيبتي تريد أن تكون وطناً بلا عيد يذكرني بها.. وبلا حدود.. وألوان.. ومناخات كئيبة.

تريدني أن أرقص بين شفتيها كأول الحب وآخره.. كفصل الربيع.. ولون الدفء عند الشروق.. كرايات الحرب.. وموسيقى النصر.. كتحرك الموج بالقرب من الموانئ.. وحديث النوارس للأشرعة.. هي وحدها من تعبر في ذاكرتي وتحرك أفكاري هي لا تريد محتالاً كلما تذكرها صدفةً قفز إلى أقرب حديقة منسية ليقطف لها وروداً ينثرها على روح مواعيده الخائبة.

الصفحات