أنت هنا

قراءة كتاب ماذا فعلت بأطفالك يا أبي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ماذا فعلت بأطفالك يا أبي

ماذا فعلت بأطفالك يا أبي

كتاب " ماذا فعل بأطفالك يا أبي " ، تأليف عزة آغا ملك ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدنة الكتاب:
لقد تمت كتابة هذه الرواية بالتواطؤ
مع إيريك

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

3

كنا معلقَين، أنا وأختي، فوق أغصاننا التي انحنت من ثقلها المتعدد الألوان (من ثقل ثمارها ومن ثقلنا)، حين ظهر رأس جدتي من فتحة باب الحديقة وهي تنادينا: "بسرعة، بسرعة، يا أولاد. لا تُغيظوا أمكم؛ إنها متوترة الأعصاب. سيارة التاكسي تنتظر! و... عليكم أن ترحلوا من هنا. الآن، حالاً! وإلَّا فسيفوت الوقت! هيا! أسرعوا! آه...".

راح صدى كلماتها الأليمة يلامس أغصاننا وآذاننا اللامبالية.

ما معنى "سيفوت الوقت"؟

لم أكن أعرف بدقة لماذا علينا أن نغادر بسرعة كبيرة وأن نبتعد عن هذه الأماكن بعجلة . ما سبب تلك العجلة.

وهذا الخوف الحذر الذي قد استولى على أمي!

صحيح أننا كنا نسمع بوضوح قصفاً مدفعياً، لكنه أتٍ من بعيد.

ومع ذلك... بالرغم من أن الفيلا التي نسكنها كانت تقع خارج ميدان المعارك، فلقد انتابني حدس غامض ومقلق وأنا أسمع الأوامر التي أعطتها أمي وإيعازات جدتي، والتي راحت تشتد وتتزايد. كان حدسي يملي عليَّ أن هناك خطراً في الجو يحلق فوق رؤوسنا إذا لم نستعجل، وإذا لم ننفذ الأوامر فوراً.

كان هذا الخطر ، كما فهمته بعد قليل، هو أنت، يا أبي! كنا نخاف أن نراك وقد ظهرت فجأة، تريد بأي ثمن أن تعرقل خطة رحيلنا، بل هربنا المخطط له، وتجبرنا على البقاء كما فعلت سابقاً، لتعذب أمنا ثانية وتذيقها الهوان.

كان علينا أن نهرب.

أن نهرب منك، يا أبي، وأن نكون بمنأى عن متناول يدك، وعن نظرك، وعن شخصك!

الهرب من مضايقاتك الملحة، ومن إهاناتك، ومن عنفك.

كم من مرة رأيتك تقترب من أمي، وقد رفعت يدك مهدداً، كي تلوي ذراعها. أما هي، فلقد كانت، كالحيوان الجريح، تئن شاكية، بصوت خافت مكتوم. ثم ترفع رأسها بكبرياء منتصبة ثانية لتنجو من قبضتك المؤلمة والتي شدَّت عليها طويلاً. وأختي الصغيرة، جاثية على ركبتيها، تتوسل إليك حينذاك، كي تتركها وهي تضم ساقك، وتوجه ضربات صغيرة على ذراعك التي ما زالت مرفوعة. لكن توسلها ذهب أدراج الرياح "من أجل أكدنيا" كما يقول المثل الفرنسي الشائع هنا. (أترى لماذا أحب الأكدنيا، يا أبي؟ إنها تصلح لإبراز جانبك السلبي). وأنت تهدد دائماً، وتشتمنا، ضارباً عرض الحائط بتوسلاتنا.

إن هذا الاستعجال في الهرب، كان من أجل شيء أعظم أهمية وأشد خطراً: الخطف المحتم.

خطفنا نحن. أنت الرجل المتفوق في مجتمعك الشرقي، أنت الذكر، كان لك الامتياز الذكري البحت: الحضانة ؛ حضانتنا، أي الحق في أن تأخذنا.

وقد صدَّقت عليه السلطات الدينية، وأقرته الأحكام القانونية.

إن قوانينك، يا أبي، طائفية، ذكرية...

ظالمة، أولاً.

حينذاك، لم أكن أدرك وحشية هذه القوانين. لم أكن قد تجاوزت العاشرة حين تخليت عنا. ثمانية أعوام حين بدأت أخطاؤك ونزواتك تظهر. لم أكن أستطيع أن أفقه شيئاً منها؛ وحتى التعليقات الواضحة لمحامي والدتي والذي كان يشرح لها الوضع: في حال انفصال الزوجين، فإن للأب الحق بحضانة الأطفال، بدءاً من التاسعة للبنت، والسابعة للصبي. كنت أسمع هذه الكلمات من دون أن أفهم مدلولاتها؛ ولا الخطر الذي قد ينتج عنها. كل ما استطعت فهمه هو أن محامي والدتي لا يستطيع أن يفعل شيئاً في وضع كهذا ولا أمام تلك القوانين... القرآنية!

اليوم، بلغت الخامسة عشرة، وأنت تجهل ذلك على الأغلب. بلغت هذه السنوات بعيداً عنك، بعيداً عن حديقتنا حيث كانت أمي تحتفل بأعياد ميلادنا، بعيداً عن بيتنا اللبناني. في الخامسة عشرة، يستطيع المرء أن يفقه الأشياء التي كانت تفلت من فهمه في الماضي وهو طفل في العاشرة من عمره.

أما اليوم، فلقد اتضحت الأمور في رأسي، وإنني أدرك مدى تعقيد الوضع الذي أغرقتنا فيه والمستمر منذ سبع سنوات؛ كما أدرك جدية التهديدات وخبث التلميحات ؛ وتصرفك...

اليوم أفهم بشكل أفضل فظاعة قوانين بلدك، ودينك؛

وإنسانيتهم، وظلمهم للنساء.

أقصد الأمهات.

الصفحات