أنت هنا

قراءة كتاب جدار الأكاذيب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جدار الأكاذيب

جدار الأكاذيب

في رواية "جدار الأكاذيب"، للكذبة حجم ووزن و قوة تأثير، وللكذبة زمان ومكان وطعم ولون. بعد ما جرى لي، أصبحت أسمعها وأراها وأشمّها وألمسها وأحسّ بقوة ضغطها وسرعة مرورها، بل أصبحت أستقبلها كفكرة من الآخرين عبر التخاطر والحاسة السادسة..

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

هذا كان ببساطة تبرير أمي كي تقضي ساعة كل يوم تراقب فيها السرور البادي على وجه طفلها وهو يسمع وقع قدميه اللتين تنطان على البلاط.. كيف ذهبت بعيدا في إحساس قدمي طفلها لتكتشف بصدق المدى الذي يبلغه سروره، كيف اقتربت من الحقيقة أكثر من أي شخص يرى مشهد طفل يركض فرحاً.
أتذكر المشهد وأسمع صوت ارتطام أقدامنا بأرض النفق.. فهل الحقيقة هنا مجرد صوت ارتطام أقدام بأرض كما قد يسمعها ويفهمها بعضهم؟ بالتأكيد لا..، خبط أقدام المقاومين في النفق وهديرها لهما مدى أوسع من المعاني الأخلاقية السامية.. هذا الصوت يحتل الصدارة في تصنيف الوطنية والإنسانية والسمو والجبهة المرفوعة.. صوت أقدام الأطفال وصوت أقدام المقاومين موسيقى تبقى خالدة في ذاكرة الأوطان.
ـ ...
لم يصدر عن رفيقيّ أي تعليق وهما يشعران بالمستوى المتسامي في نفسي خلال تلك الثواني التي استحضرت فيها طفولتي، وانسكب على بلاط ذاكرتي الكثير من العواطف المؤثرة... وتابعت قائلاً:
ـ كم هي قاسية الحياة التي لا تترك مشتركا بين الأحبة على وجه الأرض غير الهواء وخواطر القلوب، لكن الأمر مختلف تحت الأرض، ها هي الطمأنينة تملأ فراغ النفق، وهذا السكون الصادق الآمن يعم تحت الأرض لا يعكره غير تربص الأعداء فوق الأرض. ماذا لو بقينا هنا إلى الأبد، لو تماهينا مع هذا السكون الخالد اللذيذ، لو أغمضنا عيوننا وأطفأنا هذا المصباح الصغير، لو توقفت أنفاسنا وقلوبنا وتباطأت خلايانا، سيكون الموت الرحيم المتنامي الذي يحتوي النفس بكل رقة وعطف.
لن تنسى الأرض سيرتنا بالتأكيد عندما تتحلل أجسادنا وذاكرتنا في ترابها.
ـ هناك ضياء في آخر النفق يا عام، وهناك استحقاقات لعام جدير بتكملة الحياة على وجه الأرض.. ثم لا تقلق فمصيرنا جميعا في مثل هذا النفق، وحيدين تحت الأرض.
ـ لكن الأمر مختلف عندما تنزل طوعا بقدميك إلى تحت الأرض.. هو الفرق بين أن تموت موتاً عادياً أو تموت موت الشجعان.
ـ حسناً، دعنا نفكر في الحياة الآن، اقتربنا من نهاية النفق.
فجأة صعقنا دوي انفجار هائل، ورجفت الأرض رجفة شديدة كأنها زلزلت زلزالها!
ارتمينا على أرضية النفق نحمي وجوهنا التي تدفقت عليها كميات كبيرة من الأتربة والغبار.. وخفقت القلوب بشكل عنيف، وكأنها تقترب من الموت، جفت حناجرنا وغابت أصواتنا لثوان، وكادت رائحة انفجار البارود تخنقنا..
ـ نضال.. عام..
ـ صادق.. نضال..
ـ عام..
نطق كل منا باسم رفيقيه وكأنه يعلن أنه ما زال حياً ينطق ويريد التأكد من بقائهما حيين.
ـ الصهاينة المجرمون.. يبدو أنهم قصفوا النفق. قال صادق.
ـ بدأت الحرب على غزة يا شباب، يريدون القضاء على المقاومة أو إسكاتها.
ـ توقفوا قليلاً حتى تستقرّ الأرض وتترسب الأتربة في أرض النفق، النفق يضيق شيئاً فشيئاً باتجاه الأمام. حاولوا أن تتقدموا قليلاً.
ـ يبدو أن النفق قد انسدّ في الأمام، يبدو أننا دفنّا أحياء في النفق، قال نضال.
ـ نستطيع الرجوع إلى غزة، يبدو أن النفق لم يقصف في الخلف، قال صادق.

الصفحات