في رواية "جدار الأكاذيب"، للكذبة حجم ووزن و قوة تأثير، وللكذبة زمان ومكان وطعم ولون. بعد ما جرى لي، أصبحت أسمعها وأراها وأشمّها وألمسها وأحسّ بقوة ضغطها وسرعة مرورها، بل أصبحت أستقبلها كفكرة من الآخرين عبر التخاطر والحاسة السادسة..
أنت هنا
قراءة كتاب جدار الأكاذيب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جدار الأكاذيب
ـ يبدو لي أن الإصابة كانت غير مباشرة لفتحة النفق، لأن جدران النفق وسقفه لم تتأثر كثيراً، فلنحاول التقدم إلى الأمام ولو بصعوبة.
ـ هذا صحيح يا عام، فقد كنا قريبين جداً من فتحة النفق، وربما هي طبقة بسيطة من الأتربة تفصلنا عن سطح الأرض الآن..
ـ أجرف التراب بيديك يا نضال، حاول أن ترى إن كان تراباً رخواً.
ـ أجل، إننا قريبون من مخرج النفق، أسمع هدير الطائرات، وها هي بعض الأنوار البعيدة تبدو من تلك الفتحة الصغيرة، لقد سقط الصاروخ على فتحة النفق وكسر الغطاء الساتر.
ـ كن حذراً يا نضال قبل أن تخرج بجسمك.
ـ يجب أن نبتعد بسرعة ياشباب، الإسرائيليون يمكن أن يقصفوا ثانية هذا المكان، لا بد أنهم سيستهدفون كل المناطق المشتبهة لمخارج الأنفاق.
ـ لكن أين سنذهب، ربما نكون مكشوفين إذا ما مشينا الآن.
ـ لا تقلق، سنتوارى بين الأشجار القريبة، أعرف هذه المنطقة تماما.. اتبعاني.
تسلّلتُ مع الفتيين في العتمة بين الأشجار القريبة من مخرج النفق، والطائرات تحوم جيئة وذهابا على طول الحدود مثل الزنابير التي استنفرت من أعشاشها يملؤها الشر، وأصوات القنابل والصواريخ لا يتوقف صداها الآتي من غزة، وتظهر من بعيد وفي أماكن كثيرة ألسنة النيران التي تحدثها القنابل الحارقة وقذائف الطائرات الحاقدة.
ـ سنغيّر وجهتنا يا شباب، قلت.
ـ إلى أين؟ قال نضال.
ـ سنرجع إلى غزة.
ـ ونعم الرأي، قال صادق.
ـ لكن كيف نعود والحرب مشتعلة؟ قال نضال.
ـ سنعود لأن الحرب مشتعلة، رددت أنا وصادق في الوقت نفسه... لم يعد هناك أي هدف مشروع لابتعادنا عن غزة الآن بالتحديد.
ـ يجب أن نكون مع شباب السلاح الآن.
ـ هل تعرف نفقاً آخر يا صادق نعود من خلاله إلى غزة؟ فالنفق الذي أتينا منه ربما قصف من الجهة الأخرى أيضا.
ـ لا بد أنهم قصفوا كل الأنفاق القريبة، أعرف واحداً ليس بعيداً من هنا، لكن إذا ما تم قصفه سيكون صعبا علينا الرجوع.
ـ انتبهوا يا شباب، صوت سيارة تقترب من هنا، لا بد أنها دورية من حرس الحدود المصري لأنها تطفئ الأنوار.
ـ أخفضوا أصواتكم، لنقفز من فوق هذا السور ونختبئ داخل هذا البيت المهجور، إنه يعود لبعض القرويين المصريين.
قفز نضال، وقفزت أنا، وسقط صادق وهو يقفز من أعلى الجدار، سمعنا صوت انكسار عظم في ساقه وأنيناً موجعاً حاول جاهدا كتمه حتى لا يثير انتباه الدورية.
مرت دقيقة واحدة، وفوجئنا بفوهات البنادق تتوجه نحو رؤوسنا.. تم تفتيشنا ومن ثم اصطحابي ونضال مقيدين إلى السيارة. وقد تم سحب صادق عنوة وهو يصرخ من الألم، لأنه لم يستطع النهوض بسبب الكسر في قدمه اليمنى.