أنت هنا

قراءة كتاب الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

ينقسم هذا العمل إلى فصلين: يتناول الأول مسار الإصلاح في الكويت، من عام 1921، حتى استقلال الكويت عام 1961. وما تلاه من ممارسات لثقافة وطنية سياسية مميزة.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

اسبينوزا، (Ispinoza) يقدم لنا جملته الشهيرة، "الديمقراطية هي قريبة إلى المنطق وإلى الطبيعة البشرية". تنطوي هذه الجملة على إيحاءات عميقة، على فكرة الديمقراطية، وهي أكثر الطروحات دعوة إلى التأمل. والسؤال يستولد آخر. هل هي قريبة، فعلاً، أم ربما مكون من مكونات الطبيعة البشرية، وكيف؟ أليس ثمة قيم أخرى، من تقاليد وأعراف، تعكس ربما جزءاً أساسياً من الطبيعة الإنسانية، وتمثل في الوقت ذاته مكوناً من المكونات الثقافية للديمقراطية، وربما شرطاً لتحقيقها؟
أياً كان الأمر، تعطينا هذه الجملة المفتاح النظري لتعريف الديمقراطية. لنبدأ بالقول أولاً، إن الإنسان هو كائن اجتماعي. إذن، كائن ثقافي، يتغذى من هويته، من قيمه، من إرثه الثقافي. والتراث هو في المقام الأول المخزون المعنوي والروحي للشعوب. ثم إن نزعة الحق، والتوق الأزلي إلى المساواة والحرية، ومشاعر التضامن والحاجة للمشاركة، ألا تمثل كلها قواسم مشتركة في التراث الإنساني؟ أليست هي مكوناً أساسياً للطبيعة البشرية؟
لنحاول أن نُخضع مفهوم الديمقراطية لامتحان أكثر دقة. إن فكرة الديمقراطية، أي المضمون، تكمن، إجمالاً، في فعل مشاركة الشعب في حكم ذاته. وإن كان بصيغ مختلفة. بهذا المعنى، " المشاركة " هي الديمقراطية. يبقى أنه وإن دل على الشكل، أيضاً، إلا أنه يشير إلى عامل ضمني، إلى محرك داخلي. لذلك فالمفهوم ذاته يحتاج إلى مزيد من التعمق، لنتمكن من الوصول إلى الجوهر، إلى الفكرة.
ولئن أدركنا أن النظام الديمقراطي يمنح المواطن حرية المشاركة ويجعله حراً، فاعلاً في الحياة العامة، صانعاً تاريخه، ندرك أن فكرة الديمقراطية، تمنح المواطن حق الفعل، أي حقاً من حقوق المواطنة. هنا يتبين لنا أن القوة الضمنية المحركة للديمقراطية، هي " الحق"، الكامن في فعل المشاركة. والحق قوة، أزلي ودائم الحضور. وهو جوهر الجوهر.
يمكننا هنا إذن، أن نُعرف الديمقراطية، بـ "حق المشاركة". فهو يجمع بين الحق، بمفهومه الحقوقي، والفعل، بمفهومه السياسي والثقافي. أي حق إبداء الرأي وحق الاعتراض. حق منح الشرعية أو إسقاطها. هكذا، تظهر لنا الديمقراطية ليس قريبة من الطبيعة البشرية فحسب، بل جزءاً منها. بهذا المعنى، هي لا تمثل إلا تجليات العدل والمساواة، في الحياة العامة. هي ليست إلا تعبيراً عن الحاجة الوجودية للإنسان. وهي عناصر مؤسسة لكل الثقافات الإنسانية. ولا يمكن لأي مجتمع كان أن يزدهر في ظل نظام لا يعطي هذه المبادئ المؤسسة أولوية.
وفق منطوق الفكر السياسي، إن الحاجة للمشاركة في الحياة العامة، هي من الحاجات الأكثر ضرورة في الحياة. لأنها شرط استقرارها وتقدمها. وكل تلبية للحاجات الأخرى، لا معنى لها في غياب حق المشاركة. المشاركة، إذن، هي الفعل في الوجود ـ أو فعل وجود.
إن أول ما يقودنا إليه هذا التعريف، هو أن كل المجتمعات الإنسانية، بما فيها البدائية، تملك شكلاً من أشكال "الديمقراطية"، لأنها تعيش حالة مشاركة، ولا تحيا إلا بفضل قيم التضامن. لم تتطور هذه الأشكال الأصيلة من الديمقراطيات الاجتماعية والثقافية، لفرز نظم سياسية. هذا موضوع آخر له عوامله التاريخية والسياسية. لكن أهميتها تكمن في كونها البناء التحتي المتين، الحاضر لتشييد برلماناتها الخاصة.
يرشدنا هذا التعريف، إلى استخلاص النتائج الآتية. أولاً، إن الديمقراطية، قبل كل شيء، هي قيم ثقافية، تشكل حالة ذهنية، يعبر عنها نمط حياة. ولا يمكن بالتالي اختزالها إلى آليات ونظم سياسية فحسب. فهذا التبسيط يفقدها دلالاتها الأعمق ويعرضها للتشويه. وثانياً، إنه لا يمكن فكرياً القبول بصفتها الحصرية الأوروبية، على ما تمثله الديمقراطيات الأوروبية من مثال يحتذى به. فهي، لاشك، أهم ما أنتجه الفكر السياسي في بناء الدولة الحديثة. يجب وضع الديمقراطية، إذن، في بعدها الثقافي الأشمل، أي بعدها الإنساني. وهنا تتحول إلى مشترك عام للبشرية، لا شرقية ولا غربية. تتجاوز الجغرافيا وتتحرر من محدودية السياسة.

الصفحات