أنت هنا

قراءة كتاب الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

ينقسم هذا العمل إلى فصلين: يتناول الأول مسار الإصلاح في الكويت، من عام 1921، حتى استقلال الكويت عام 1961. وما تلاه من ممارسات لثقافة وطنية سياسية مميزة.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

يبين لنا المسار الحدثي أنه بعد إخضاع البلدان بالقوة العسكرية، فرضت ترسانة تعهدات وضعت الأسس والآليات " القانونية"، التي حولت المنطقة بموجبها إلى " بحيرة بريطانية". بيد أن ما هو أدهى وأمر سيأتي لاحقاً. إذ عمد الإنجليز إلى العبث بكيان الإنسان ومجتمعه. فوضعت سياسة " التحالفات"، يدعم بمقتضاها الانجليز العشيرة الأقوى في القبيلة، أو الشخصية الأقوى في العائلة، ليحصر السلطة فيها، وبالتالي يتفرد بها. وقد أفضت هذه السياسة إلى تفكيك البناء الاجتماعي التقليدي وأعادت تركيبه من جديد، على نحو يخدم هيمنتها واستراتيجياتها.
وكنتيجة لذلك، تحولت العشيرة، المنشقة من مجتمعها، إلى حليف قوي للكولونيالي داخل البنية الاجتماعية، وفي تعارض تام معها. فلم يعد ثمة مشترك وطني عام. وألغي المفهوم التقليدي للوطن والأرض. وسينعكس ذلك على الشأن الداخلي كما الخارجي، وعلى مسألة الأمة والقومية خاصة. فبقدر ما يضعف البناء الوطني، يضعف الرابط القومي كذلك. وهكذا دخلت منطقة الخليج كلها في الفضاء الكولونيالي.
إن ضرب الأساس يصدع البناء ويهدمه. أفضى هذا العبث بالبناء السياسي والنسيج الاجتماعي، إلى تفكيك الثقافة السياسية التقليدية، وإلى ضرب عناصر القوة فيها. وسرعان ما أخذت مساراً اضمحلالياً. وبتغير البيئة الثقافية أسقط مصدر شرعية السلطة، وألغيت الأعراف والتقاليد الخاصة بشؤون الحكم والقيادة، وأسقط مبدأ "الإجماع والتعاقد"، وضربت الإرادة العامة.
وعندما تكفّ الحكومات عن التعبير عن المشترك الوطني، أي لا تعد تعبر عن المصلحة الوطنية العامة العليا، يتبدل جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم جذرياً، ويبدأ الحكم بالتفرد. يبدأ الانقلاب الكامل على كل الموروث الثقافي. ففي هذا المسار القسري، تكونت السلطات الجديدة خارج إطار الثقافة التقليدية، والتفت عليها، وبالتالي فرضت نفسها كقوة مسيطرة على المجتمعات من خارجها، من خارج الشرعية التقليدية. هكذا، بدأت ثقافة الاستبداد تحل محل ثقافة المشاركة التقليدية. وهكذا، توقفت السيرورة والصيرورة الطبيعية للمجتمعات الخليجية.
أفضى هذا التحول الكبير إلى إضعاف موقع الفرد في معادلة السوسيو-بوليتيك، التقليدية، وبالتالي، تهميش دوره تماماً. تحول، إذن، من عضو فاعل في حياته، من مواطن له صوت وموقف، إلى تابع لإحدى العشائر، المنسلخة من القبيلة، سواء الحاكمة أو المحكومة. وبانفصاله عن الرابط الجماعي، ضعف الرابط المعنوي بوطنه، وتدريجاً سيطرأ تحول جوهري في طبيعة الانتماء.
بتغير واقع الإنسان الاجتماعي تغيرت ثقافته ومعها تصوره للوطن، للحاضر والمستقبل. بدأ الولاء للحاكم، للعائلة، للسلطة، يأخذ الأولوية على الانتماء إلى الوطن. وأعيد صوغ العلاقة، التعاقدية سابقاً، إلى علاقة نفعية قائمة على المصالح المادية البحتة. وتشكل نمط الاقتصاد الريعي. وهو أمر يحتاج إلى معالجة خاصة. فكل شيء ملك للحاكم، هو يوزع الثروة والعطاء كما يشاء، ولمن يشاء، وفق منسوب الولاء والطاعة.
ضمن هذا الخلل في البناء الاجتماعي، ولدت "ثقافة الرعية". وهي النقيض لثقافة المواطنة. ثقافة لا تخلق الإنسان الحر المسؤول، بل الإنسان المستلب، فاقد الإرادة، اللامنتمي. وبقدر ما تثبت سلطة العائلة أكثر، بقدر ما يضعف الرابط الوطني، ويهمش الموروث والمشترك العام بين المواطنين. أفضى هذا الواقع المبتسر إلى خلق أقطار تابعة، ومجتمعات سطحية وثقافة مشوهة. خلق إنساناً مقهوراً ومستسلماً طوعاً أو قهراً.
ستمثل هذه "الثقافة"، التي ولدت من رحم العشيرة، وفي الوعاء الكولونيالي، إطاراً للتاريخ الرسمي. وستتحول هذه الأقطار، خلال الحقبة الكولونيالية، إلى ملكيات أسرية، عائلية خاصة. وهذه النظم لا يمكن، أبداً، أن تبني مواطنين، بل أتباعاً. كيف يمكن أن يكون الإنسان مواطناً في ملكيات خاصة؟
فضلاً عن أن ثقافة " الكولونيالية- العشائرية" لا تقبله إلا تابعاً، طائعاً، ولا تسمح له أن يكون إلا كذلك. والدليل أن الإنسان في الخليج لم يحصل، حتى بعد الاستقلال، (باستثناء الكويت وعُمان ومؤخراً البحرين)، على صفة المواطن الحقيقي، ناهيك عن حقوق ومقتضيات المواطنة.
هكذا، حدد مسار التاريخ السياسي الجديد. وارتبـط وجود هذه "الأنظمة" واستمرارهــا بالوجود البريطاني. والأخيرة أضفت عليها شيئاً من "الشرعية التاريخية "، لكنها لن تكسب شرعية التطور التاريخي. لأنها أولاً، لم تكن مستقلة، وثانياً، لأن شرعية التطور التاريخي لا تبنى خارج إطار الشرعية الدستورية. في حين أن الكويت، مثلاً، اكتسبت ذلك بإقرارها دستور عام 1961، الذي نص على أن "الأمة هي مصدر الشرعية".

الصفحات