أنت هنا

قراءة كتاب الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين

ينقسم هذا العمل إلى فصلين: يتناول الأول مسار الإصلاح في الكويت، من عام 1921، حتى استقلال الكويت عام 1961. وما تلاه من ممارسات لثقافة وطنية سياسية مميزة.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

الحركات الوطنية الإصلاحية

منذ مطلع عشرينيات القرن، وبخط مواز للتاريخ الكولونيالي، بدأت تتشكل ملامح وجه التاريخ الوطني. تاريخ الشعوب. فقد ولد، من رحم الثقافة التقليدية أول مجلس في الكويت عام 1921. كان حدثاً مؤسساً، مشحوناً بالدلالات والرمزية. أتى المجلس كثمرة مقايضة تاريخية، تمت بين الشيخ أحمد الجابر، الذي طلب مبايعة أهل البلاد، أي تفويضهم له، وبين أعيان البلاد، الذين أرادوا، بدورهم، ممارسة حقهم الطبيعي، في أن يكون لهم رأي فيمن يحكمهم وكيف يحكمهم. لبى الحاكم طلبهم بمنحهم مجلساً يشاركه في الحكم، وبالمقابل منحوه هم الشرعية ليحكمهم.
جسد هذا الفعل المؤسس المضمون الديمقراطي التقليدي للثقافة الوطنية التقليدية. وسيرسي المجلس ثوابت ومبادئ الثقافة السياسية الوطنية. أهمها أن الأمة هي مصدر الشرعية، وأن للمواطنين الحق في اختيار من يحكمهم، وللمواطن الحق، عبر مجلسه، في المشاركة في الحكم. وستتحول هذه الثوابت الثقافية إلى مواد قانونية يحفظها دستور وطني حرص على التعبير عن كل مكونات الثقافة الوطنية.
وبعد 17 عاماً أتت الموجة الثانية. كانت مرحلة مفصلية كبيرة. وانتخب الوطنيون مجلسهم عام 1938. كان حدثاً كبيراً بكل المقاييس. سيعيد المجلس، من جديد، التأكيد على الثوابت الوطنية ويعززها. وسيدخل إلى البلاد، ضمن جملة المسائل، الثقافة الدستورية بمفهومها الحديث. كما ستنتج عن هذه المرحلة مفاهيم جديدة للدولة، والمواطنة، والحقوق العامة والخاصة. وفي النهاية، سيحدد مسار البلاد وقدرها الديمقراطي.
بعد ستة أشهر من انتخابه، سيسقط الشيخ المجلس بدعم من الإنجليز. لكن فكرة المجلس ستظل ملهمة لنفوس الكويتيين. ستبقى محركاً داخلياً للفكر الإصلاحي الوطني. وفعلاً، وبفضل الوطنيين الكويتيين سيكتمل المسار، أخيراً، بوضع دستور البلاد عام 1961، ثم بانتخاب مجلس الأمة الكويتي عام 1962. وتتحول الكويت، في عهد الشيخ الديمقراطي عبدالله السالم، إلى منارة مشرقة في سماء الخليج المعتمة.
كما الكويت، كان للبحرين نضالها الوطني، وقدرها التاريخي. لم تفلح مثل الكويت. لم تتحقق أحلام البحرينيين. كان مسارها الديمقراطي متعثراً، لأن ثقل الاستعمار أشدَّ وطأة عليها. مع ذلك قدمت تجارب إصلاحية ستطبع التاريخ المعاصر للمنطقة بأسرها. ولدت أول فكرة لمجلس عام 1923، لكنها أجهضت في المهد.
ولأن الفكر الحقيقي لا يموت، خاصة إذا ارتبط بوجدان الشعوب، عادت المطالبة بالمجلس عام 1938. وقمعت المحاولة. وبعدها أتت هيئة الاتحاد الوطني عام 1956. ومع أنها لم تستمر إلا أشهراً معدودة، كانت مكثفة بالحوادث، بالفعل السياسي، بالدلالات، بالصراع الحقيقي، بالتآمر الإنجليزي، بالتحدي الوطني، كانت "ملحمة" صغيرة بحجم البلاد وأهلها.
هي الأخرى ضربت. لكن بعد أن جذرت الصراع وأعطته بعداً تاريخياً، وبعد أن جعلت من مطلب الحرية وحقوق المواطنة مسألة لا مناص منها. كما ستثبت الهيئة، أن الوعي القومي العام هو إحياء للوعي الوطني ومكمل له. وفعلاً، ستنتخب البحرين مجلسها الوطني الأول عام 1973.
يبد أن بريطانيا كانت دائماً بالمرصاد، فضربت كل الحركات الوطنية والديمقراطية. فالديمقراطية، التي ترمز إلى التقدم والرقي الحضاري ومثار تفاخر في المتروبول، مرفوضة في المستعمرات، لا بل، إن المطالبة بها تمثل جرماً يعاقب عليه بالسجن والنفي.
ولنتذكر، بأن الديمقراطيات الغربية، مع كونها أحد مكاسب الصراع في وجه الإقطاع والرأسمالية في الغرب، هي التي استعمرت العالم العربي،الأفريقي، والآسيوي. فالديمقراطيات الغربية هي، أيضاً، غازية ومحتلة ومستعمرة، ولا تزال حتى يومنا هذا.
وحتى حركة الأنوار الأوروبية التي طالما مجدت العقلانية ومبادئ الحرية والمساواة، لم تقبل ذلك للآخر، لم تقبل المساواة بالآخر، بل نظرت إليه بتعال وعنصرية. فهي ليست، كما يقول غارودي (R. Garaudy) ، حركة ثقافية فحسب، وإنما ميلاد الرأسمالية والاستعمار المتلازمين. أبعد من أن تكون ذروة " المذهب الإنساني"، حيثهدمت حضارات أرقى من حضارة الغرب في علاقتها بالإنسان والطبيعة (5).
استهدف القرار البريطاني، أساساً، فصل التشكل الوليد للإرادة العامة في البيئة المعاصرة، التي كانت مسوقة، بحكم جدلية التطور، بإرساء مبادئ العدل والمساواة، وتعزيز مفاهيم الانتماء الوطني والسيادة، وبالتالي خلق الأرضية الصالحة لبناء نظم ديمقراطية أصيلة، على غرار ما سوف نراه في الكويت لاحقاً. أفضى العبث البريطاني، إذن، إلى إعاقة آلية التقدم في المجتمعات الخليجية. وهكذا، حرفت عجلة التاريخ عن مسارها الطبيعي. وستتحول الحالة الكولونيالية إلى حالة ثابتة ضاربة الجذور في السياسة والاقتصاد، كما في الثقافة.
من جانب آخر، كانت الثلاثينات سنوات حاسمة في تاريخ الخليج المعاصر، وعلى كل مستوى. كان عصر اكتشاف النفط، وزمن التحولات الكبرى. وقد أفضت هذه التحولات إلى خلق انقلاب في بنية المجتمعات الخليجية الضعيفة أصلاً. ومن ثم أعادت صياغة بنائها الاقتصادي والاجتماعي كما بالطبع السياسي. وسيغدو لهذه الحقائق الجديدة تجلياتها الثقافية. أما عن مؤسسة الحكم الأسري، التي كان الكولونيالي ذاته يعتبرها في تقاريره متخلفة وبالية، فقد أعيد تزيينها بحيث تتمكن من تلبية متطلبات المرحلة الجديدة.
* * *
لم تعثر الهوية الوطنية في الخليج على دعائمها الحقيقية، إلا مع ظهور الفكر القومي العربي، الذي زفته ثورة 23 تموز/يوليو 1952، في مصر. حيث استيقظ أهل الخليج على هويتهم، وعلى اكتشاف انتمائهم، وعلى وعيهم بذاتهم القومية. فوجدوا مكانهم الطبيعي، التاريخي، الوجداني فيه. وهكذا حلت الهوية القومية، كحالة جامعة، منقذة، مكان الهويات القطرية والمذهبية الفرعية، هويات الانشقاق والتشتت. مثّل الفكر القومي، إذن، الوعاء الثقافي لشعوب المنطقة. العروبة ليست نظرية سياسية أو أيديولوجيا، بل وصفة لحالة وجود وكينونة. وأخيراً، الوطنية ليست إلا شعوراً بالانتماء والعزة.
بدأ إذن، تاريخ الخليج العربي المعاصر، السياسي كما الثقافي، في النصف الثاني من القرن العشرين. ويمكن تقسيمه، إلى مرحلتين متباينتين متداخلتين، لكن غير متمايزتين تماماً. فالتاريخ السياسي، كما الاجتماعي والثقافي، لا ينقطع تماماً. إذ غالباً ما تسير المرحلتان جنباً إلى جنب، أو كما يحدث أحياناً، في حالات العنف والثورات، تتقدم واحدة على الأخرى. بيد أنه إذا تقدم الجانب السياسي، وهو غالباً الأسرع في التحول، لا يعني أن الاجتماعي أو بالتأكيد الثقافي، قد تقدما أيضاً. ذلك لأن لكل جانب سيرورته وصيرورته وإيقاع تطوره.
في الأولى، كان الخليج، معروفاً بالمَحْمِيّات البريطانية، مغيب الهوية الوطنية، مبعثراً اجتماعياً، موغلاً في ثقافة العشيرة والرعية. في المرحلة الثانية، بدأ المسرح مختلفاً تماماً. كان مشهد يقظة الانتماء الحقيقية. عبرت عنها الشعوب بأشكال مختلفة، لخصت في مجملها لحظة الوعي بالذات الثقافية والوطنية. وضمن هذا التحول الثقافي التدريجي بدأت تتوالد جملة من المفاهيم السياسية الحديثة، مثل مفهوم الوطن والدولة والشرعية والسيادة وسواها، لتعزز بدورها ثقافة التحرر الوطني والقومي، في جدلية متماسكة. فبقدر ما يكون الإنسان وطنياً، يكون بالضرورة قومياً.

الصفحات