ينقسم هذا العمل إلى فصلين: يتناول الأول مسار الإصلاح في الكويت، من عام 1921، حتى استقلال الكويت عام 1961. وما تلاه من ممارسات لثقافة وطنية سياسية مميزة.
أنت هنا
قراءة كتاب الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الجذور الثقافية للديمقراطية في الخليج - الكويت والبحرين
كان لهم ما أرادوا، إذ التزم الحاكم الجديد بنصوص وروح وثيقتهم. وفي ضوء ذلك، منح أعيان البلاد، كممثلين لأهل الكويت، التفويض للشيخ أحمد الجابر. وأصبح الحاكم الشرعي للبلاد (1921-1950). وفعلاً، تم تشكيل أول مجـلس شورى (1921-1928). و قد ترأس الحاكم الجديد المجلس. وهكذا، وجد الحاكم والمحكوم مكانهما الطبيعي في وطنهما. كما ضمن للمجتمع تماسكه وانسجامه. كل ذلك شكل أرضية صلبة لأمن البلاد واستقرارها.
إذن، بفضل حق المشاركة، ممهوراً بشرط البيعة، إحدى المرجعيات المؤسسة للثقافة العربية الإسلاميّة، زرعت بذور الديمقراطية في ثقافة البلاد السياسية. كانت الخطوة الأولى في اتجاه المستقبل. ويمكن اعتبار هذه الوثيقة التاريخة، "عقداً اجتماعياً كويتياً". هي شهادة ميلاد الديمقراطية في الكويت.
ولئن كان البند الأول من الميثاق يعطي المجلس مسؤولية تنظيم بيت عائلة الصباح، كما يمنحه صلاحية الإشراف على انتقال السلطة في البلاد بشكل شرعيّ وسلمي، فقد أنيطت بالمجلس، إذن، مسؤولية تأمين استقرار المجتمع ونظام الحكم فيه. فمسؤولية الوطن مشتركة. وهذا البند العرفي، هو نص تأسيسي، يحمل الكثير من الدلالات التاريخية و الثقافية.
من الناحية الأنتروبولوجيّة السياسية، لطالما كانت هذه المسؤوليّة، وكما رأينا في المقدمة العامة، التي كلّف بها المجلس حديثاً، عُرفاً متأصّلاً في ثقافة مجتمعات بلدان الخليج، يمارسه أعضاء القبائل مع شيوخها وزعمائها، بشكل طبيعي وتلقائي. علماً أنه لم يكن ثمة نص مكتوب. لكن العُرف كان ماثلاً. فهو منحوت في التقاليد، في الممارسة، ومرتبط بإحكام بمنظومة الأخلاق الجمعية للقبيلة. هكذا صار جزءاً مؤسساً من ثقافتها. وله من القوة والتماسك ما يتجاوز النص المكتوب، أو حتى الدساتير، التي غالباً ما تخرق ويتم تجاوزها. والعرف بهذا المعنى، يشكل عند احترامه، صمام أمان ثقافي، يحصن المجتمع ويضمن تماسكه.
مهما يكن من أمر، شكّل إنشاء المجلس، على الرغم من أنّه غير منتخب، مرحلة هامة في تاريخ الكويت. إذ إنّ موافقة الحاكم على فكرة إنشاء المجلس كانت في حد ذاتها اعترافاً بقوة التقاليد، وسيادتها في تحديد طبيعة السلطة وتنظيم العلاقه بين الحاكم والمحكوم. فقد اعترف الحاكم بحق المشاركة، وحق المشاركة يعني الإقرار بأن الشعب هو مصدر الشرعية.
بيد أنّ المجلس، أخذ في الاعتبار المعطى الزماني والمكاني، لم يكن يتمتّع بكيان مؤسسي أو دور فاعل. لم يتح له أي هامش لمشاركة حقيقية، ولم تكن اجتماعاته القليلة إلّا كناية عن لقاءات خاصة مع الشيخ. وظلّت سيطرة الحاكم عليه تامّة. وفعلاً، سرعان ما همّش، وفي عام 1928، اختفى نهائياً. بيد أنها كانت التجربة الأولى. وعلى محدوديتها، تبقى مرجعية للثقافة السياسية. وبالتأكيد، إن فكرة المجلس أهم من المجلس ذاته.
والحال، إن فكرة المشاركة، على رمزيتها ومحدوديتها، بشرت بتشكل ثقافة سياسيّة خاصة في البلاد، وبتشكل نواة الإرادة العامة. وسيأخذ الوطنيون الكويتيون على عاتقهم إثراء الأولى وتعزيز الثانية على نحو لافت جداً.
ففي غياب الموارد المالية للحكام، أحدث التجار الوطنيون بثقلهم نوعاً من التوازن السياسي في البلاد. فتقديمهم الدعم المالي للحكام، إما إقراضاً وإما عطاء، سمح لهم بلعب دور وظيفي مؤثر في القرار السياسي. وبحكم تركيبتهم كتجار وطنيين وميولهم التحديثية في الشؤون الإدارية والجمركية والقانونية، شكلوا، قبل مرحلة النفط، قوة اقتصادية وطنية فاعلة في حركة الإصلاح بالمنطقة، ومنهم من قادها. وقد خرج من بينهم الكثير من المثقفين الذي ساهموا في بناء الكويت الحديثة.