الديوان الشعري "ذاكرة الغياب" للكاتب اللبناني ذوقان عبد الصمد:
هذا الجبلُ العالي...
في قمَّتِهِ بيتٌ من نورِ الرَّبْ
من مولى الحبْ
مثوى لنبيٍّ
غَيْبتُه... بعثُ الإيمانِ...
وصحوُ الإنسانِ
المُفتَنِ بالزَّائلْ!!
أنت هنا
قراءة كتاب ذاكرة الغياب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ذاكرة الغياب
ونستطيع القول إن هوى الشاعر جنوبي، بل بوصلته الملحمية تؤشر إبرتها في اتجاه الجنوب، فكأنما في كل دم مرآة لشهيد أو قتيل في الحق، أينما كان، قطرة من دم جنوبي. يقول في قصيدة النسر، إلى الأسير سمير القنطار:
غادرت وكرك والحنين جنوبُ
وشواهق خلف المدى وسهوب
والشمس يزلق عن جناحك خدها
فترد ذيل خمارها وتغيب
أطللت كالقدر المهيب على ربى
بجماحها قدر النسور مهيب
وضربت! عاد البحر يحمل ديمة
من مستقاك على اليباب تذوب
فتمازجت لتخاف منك سياطهم
ويحار في تعذيبك التعذيب
فاستُرجعت بفم الزمان حكاية
يروي خطاياها الدم المصلوب
ويردها أيوب يحمل صبره
فيضيق ذرعاً في البلى أيوب..»
إن احتدام الحماسة في قلب الشاعر، يفيض أبياتاً حارة، كما ينطلق الشرر من موقد النار.
والملاحظ أن الانكسار والهزيمة (وهما الطابع السائد للزمان العربي المعاصر) أكثر التصاقاً بالصوت المنكسر للشعر الحديث والتمتمة العدمية.. فنادراً ما نجد في قصائد شعراء الحداثة العربية على امتداد أجيالهم، نبرة حماسة أو افتخاراً ببطولة... بسبب انتفاء الأسباب وندرة البطولات.. ما خلا ما جرى على أرض الجنوب اللبناني، حيث البطولة الدامية منتصرة بدمها بالذات، وحيث يمكن للنسر أن يفرد جناحيه، وللشاعر أن تكون له حنجرة.
يقول عبد الصمد في سجن الخيام:
«سجن الخيام أرى الجدران خاشعة
والدهر يجثو على الأبواب محتشما..»
ونادراً ما نعثر في الشعر العربي الحديث على إيماءة أمل، أو بارقة في ليل... فالكل في العماء يتحركون، والشعر أعمى يقوده عميان.. إلا أن عبد الصمد، في كلاسيكياته الوطنية، يشير إلى دم غلاب، سيأتي غداً، سيتقدم، وسوف ينبت مكان مغارز المسامير على الخشبة، ورد فواح:
«سيظل في الساحات يهدر وحده
متقدماً هذا الدم الغلاب
اليوم من دمه الزكي تفتحت
ورداً على صلبانها الأخشاب».