أنت هنا

قراءة كتاب ذاكرة الغياب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذاكرة الغياب

ذاكرة الغياب

الديوان الشعري "ذاكرة الغياب" للكاتب اللبناني ذوقان عبد الصمد:
هذا الجبلُ العالي...
في قمَّتِهِ بيتٌ من نورِ الرَّبْ
من مولى الحبْ
مثوى لنبيٍّ
غَيْبتُه... بعثُ الإيمانِ...
وصحوُ الإنسانِ
المُفتَنِ بالزَّائلْ!!

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

أتجديدٌ وقصيدة عموديّة؟
أعتقد أنّ موجة الجدل في الحداثة والأصالة تستقرُّ الآن بهدوء على خلاصات مفيدة. القصيدة التقليدية إطار صعب. وقد لا يكون في أيّة لغةٍ قريبةٍ من قارّتنا الثقافية شروطٌ بصعوبة شروطنا العربية على القصيدة.
ولكن من قال إنّ الصعب نقيض الجمال.
هل يأسرنا البحر والقافية في تعبيرنا عن أزماتنا المعاصرة، ومعاناتنا ورغباتنا؟ لا بأس فلنلجأ إلى أشكال أكثر مرونةً. ولكن لا يحق لناقدٍ أن يُعدم قصيدةً لمجرَّد أنّها عموديّة، كما لا يحقّ لآخر أن يُلغيَ شعراً لأنه لا يلتزم قوانين الخليل بن أحمد ونظرائه.
الغطرسة الثقافية ذاتُ صلةٍ بطفولة تعيشها كل المراحل الانتقالية، إذ يظنُ بعض المجدّدين أن الجديد لا يولد إلاّ بمحو القديم. بينما يعتقد الأصوليون أنّ الجديد نزوةٌ سريعةُ الزوال سببها هروبٌ إلى السهولة أو تماثل مع ثقافة أخرى، أو حتّى مؤامرة على التراث.
من خَيْرنا أنّ هذا التزمّت المتبادل بدأ يتراخى مع نضوج وعينا بإرثنا الثقافي من جهة، وبالثقافة الإنسانية المعاصرة من جهةٍ ثانية. بنظري الشعر هو الجيّد من الشعر، قديماً كان أم حديثاً، على بحرٍ أو تفعيلة. هو الفكرة والصورة والنغم معاً في أرجوحةٍ واحدةٍ للجمال.
بهذا المعنى أيضاً، نحن مع ذوقان عبد الصمد أمام شعرٍ حقيقي يبني نفسه بحجارة ضوءٍ ويهدي إلى عرائس أدبنا وشاحاً لم تُحضَن به عروسٌ من قبل.
قصائد الرياح والأشرعة تتنوّع في المواضيع والمناسبات ولكنّها تجتمع كحزمة الأشعة في نقطةٍ هي: الالتزام.
التزام بالوطن، بالارتقاء والتقدم، بهموم الناس أينما كانوا،
التزامٌ بقناعاتٍ فكرية سياسية، وقيمٍ أخلاقية، التزام بالحب والأبوّة والصداقة.
هذا الالتزام لا يُكتب في بيتٍ ولا في قصيدة، إنّه يشعُّ من الديوان كلّه فلا تعرف منبعه بالضبط، كمن يدخل حديقةً فلا يدري أيّ زهرةٍ ترشقه بكلّ ذلك العطر.
ما أن تضع إصبعك على الصفحة الأخيرة حتّى يسيطر عليك شعورٌ بصدقٍ حميمٍ شفّاف، برغبةٍ في العطاء المتفاني. كأنّ هذه القيم معجونة بالحبر والورق لا بالشعر وحده. إنّها تتحوّل بصورة طبيعية، ولكن خارقة، من ذاته الداخلية إلى مناخٍ يلفّ المتلقّي، يناديه، بل يأخذه برفقٍ من أصابعه إلى عالمه الخاص.
وهو عنيد الالتزام. لا يهتزّ للخيبات الكثيرة الملمّة بلبنان وعالم العرب. لا الهزائم، ولا بؤس الحكام والأنظمة، ولا حالة الضياع والتراجع في المجتمع، ولا أمراض العصبيات والتشتّت، ولا سعارُ البحث عن الثروة... كلّها لا تزعزع التزام الشاعر بقضايا عاش وكتب وناضل لكي تتحقق.
وحين نقول إنّ قضية الشاعر هي مناخه الشعري، فلأنّه يرتفع بها من العرض إلى اللمحة، من الضجيج إلى الإشارة المواربة الهامسة. هكذا تنغزل القناعات جملاً شعرية في مصهر الإبداع الذي يجعل الأشياء، كل الأشياء، قابلياتٍ فنيةً، ويستلّ الجمال والتفرّد من عبور العاديّ، الأليف، المطمئن.
ديوانك يا صديقي هو أنت في عذاب التحوّل من الحياة إلى اللغة، كي يكون الشعر حياةً أجمل وأتقن.

الصفحات