تضمّ هذه المختارات ثلاثين شاعراً من شعراء العامية يمثلون أبرز الاتجاهات والتجارب التي شكلت مشهد الشعر العامي في لبنان منذ خمسينيات القرن الماضي.
أنت هنا
قراءة كتاب ديوان الشعر اللبناني المعاصر - مختارات من الشعر العامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ديوان الشعر اللبناني المعاصر - مختارات من الشعر العامي
مقدمة
يطلق «الشعر العامي» على مختلف الألوان الشعرية التي تستخدم اللغة اليومية المتداولة في لبنان، وتعكسُ (أو تعبّر عن) ظاهرات اجتماعية وثقافية عامة. إلاّ أن هذا الشعر الذي يشتمل على ألوان شعبية عدّة كالحداء والزجل والندْب والجعيدية وسواها، يشتمل كذلك في نظر عدد من النقاد والشعراء على «الشعر باللغة المحكية».
وإذ كنا لا نستطيع أن نلمّ هنا بجميع هذه الألوان لأسباب فنيّة (تتعلق بتباين أشكالها وأبعادها) ونظراً لاتّساعها وتنوّعها فإننا نكتفي بالتوقف عند ظاهرتين لعلهما الأكثر حضوراً وتأثيراً في الحركة الشعرية اللبنانية، وهاتان الظاهرتان هما: «الشعر بالمحكية» و«الزجل».
وعلى الرغم من الاختلاف والتمايز اللذين يظهران على أكثر من صعيد بين الشعر المحكي وشعر الزجل فإن اختيار النصوص بالنظر إلى قيمتها الفنية، واختزال النصوص المتشابهة التي تفرضها تقاليد السجالات والمباريات في الشعر الزجلي سوف يعمدان إلى الحد من هذا الاختلاف.
بالطبع لا يمكننا الحديث عن الشعر المحكي خارج تطور الحركة الشعرية المعاصرة في لبنان. فهذا الشعر نشأ بارتباط وثيق بحركة الشعر العامي مع ظهور القوّالين في الكنائس والأديرة في القرن الرابع عشر، وتطوره مع شعراء الزجل منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وصولاً إلى ذروته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
فلقد ذكر مارون عبود أن جبرايل القلاعي اللحفدي (1440-1516م) هو أول من وصلت إلينا أشعاره، بينما يذكر منير الياس وهيبه في «الزجل، تاريخه، أدبه، أعلامه قديماً وحديثاً» أن سليمان الأشلوحي (1270-1335م) سبق القلاعي في نظم الزجل. كما يذكر أكثر من ستة وأربعين من ناظمي الزجل، معظمهم من رجال الاكليروس، منذ نهاية القرن الثالث عشر حتى بداية القرن التاسع عشر، أما الذين ذُكروا ابتداءً من القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين فلقد تجاوز المئة وخمسين ناظماً.
أما في القرن العشرين، مع انتشار الطباعة وظهور الصحف والمجلات فقد اتسعت ساحات الزجل في الحفلات والمناسبات وأخذت أبعاداً اجتماعية وثقافية واسعة. وفي العام 1927 أسس شحرور الوادي (أسعد الخوري فغالي) أول جوقة زجلية في لبنان. وقد ضمّت إليه علي الحاج القماطي وأنيس روحانا وطانيوس عبده وإميل رزق الله. وجالت هذه الجوقة على معظم المناطق اللبنانية كما أحيت حفلات في عدد من الدول العربية ولا سيما في مصر حيث تعرّف الشاعر شحرور الوادي على الشاعرين أحمد شوقي وخليل مطران وعلى عميد الأدب العربي طه حسين الذي كان معجباً «بفطرة شعراء العامية في لبنان وبلاد الشام» وكيف أنهم «يطلقون أزجالهم ومساجلاتهم الشعرية دون تحضير ودون معرفة سابقة بموضوع المطارحات».
في هذا الوقت شاعت الصحف والمجلات الخاصة بالزجل والشعر الشعبي عامة ومن هذه: مجلة «الزجل اللبناني» ليوسف الباحوط وخليل الحتي و«بلبل الأرز» و«أمير الزجل» لوليم صعب، و«مرقد عنزة» لأسعد سابا و«العندليب» لفريد لحود و«الشعر القومي» لخليل الحتي، و«السبعلي» لأسعد السبعلي و«عرين الأسود» لالياس الهاني و«الأدب الشعبي» لميشال قهوجي و«الخواطر» لجميل غريزي و«الشحرور» لعبد بدران غصن... و«صوت الجبل»...
لقد شكّلت هذه الصحف، كما شكل اتساع تأثير الشعر الزجلي في الأوساط الثقافية والاجتماعية العامة ولا سيما سجالات كبار الشعراء بالإضافة إلى عوامل مؤثرة أخرى تتصل بتطور الحركة الشعرية (في لبنان خاصة) والتحولات النوعية التي أرستها هذه الحركة في بنية القصيدة ــــــ لقد شكّل كل هذا مناخاً ملائماً لظهور وتطور الشعر المحكي. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن كبار شعراء الزجل أفردوا مساحة في مؤلفاتهم وأعمالهم لقصائد ومجموعات خاصة لا تنتمي إلى تقاليد الشعر (والمسرح) الزجلي بقدر ما تشكّل في مكوّناتها وأبعادها تجربة نوعية مستقلة.
وهكذا فإن القيمة الفنية التي اكتسبها الشعر المحكي في لبنان ليست منفصلة تماماً عن المناخ الشعري والتحولات التي شهدها الشعر العامي، في الستينيات أو حتى عن تلك التي أرستها قصيدة الفصحى في هذه المرحلة. وأن ازدهار الشعر المحكي في لبنان لا يرتبط مباشرة بظاهرات اجتماعية كما لا يعود إلى تقاليد وقيم عامة بقدر ما يرتكز على تجربة ثقافية ووجدانية وعلى رؤية فنية تتشكل في سياق هذه التجربة. ومع ذلك فإن ثمة تقاطعات بين الشعر المحكي والشعر العامي بألوانه المتعددة لا يمكن إغفالها. ومن هذه التقاطعات: استيحاء الطبيعة اللبنانية وتمجيد القيم الريفية والنزوع الرومانسي إلى معالم القرية وعلاقاتها واستيحاء الأمثلة الشعبية والكنايات والاستعارات السائدة واستخدام بعض الأوزان المستخدمة في الزجل.