كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء السادس عشر، يضم بأجزاءه فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسنة، واج
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء السادس عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ ، وَسَلَفُ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ ضَالٌّ .
قُلْتُ : وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنْ إجْرَاءِ الْقُرْآنِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ إذَا آمَنَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَكْيِيفٍ فَقَدْ اتَّبَعَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَفْظُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الْمُسْتَأْخِرِينَ قَدْ صَارَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فَإِنْ أَرَادَ بِإِجْرَائِهِ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ حَتَّى يُشَبِّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهَذَا ضَلَالٌ ، بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأَسْمَاءُ يَعْنِي أَنَّ مَوْعُودَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ تُخَالِفُ حَقَائِقُهُ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا فَاَللَّهُ تَعَالَى أَبْعَدُ عَنْ مُشَابَهَةِ مَخْلُوقَاتِهِ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الْعِبَادُ لَيْسَ حَقِيقَتُهُ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْهَا وَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِإِجْرَائِهِ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ فِي عُرْفِ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِحَيْثُ لَا يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا يُلْحِدُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ بِمَا يُخَالِفُ تَفْسِيرَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ ، بَلْ يُجْرِيَ ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ النُّصُوصُ وَتَطَابَقَ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ ، فَهَذَا مُصِيبٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْحَقُّ وَهَذَا جُمْلَةٌ لَا يَسَعُ هَذَا الْمَوْضِعَ تَفْصِيلُهَا .
وَقُلْتُ فِي جَوَابِ الْفُتْيَا الدِّمَشْقِيَّةِ وَقَدْ سُئِلْتُ فِيهَا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْقُرْآنَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ ،
وَأَنَّ { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } عَلَى مَا يُفِيدُهُ الظَّاهِرُ وَيَفْهَمُهُ النَّاسُ مِنْ ظَاهِرِهِ ، هَلْ يَحْنَثُ هَذَا أَمْ لَا ، فَقُلْتُ فِي الْجَوَابِ إنْ كَانَ مَقْصُودُ هَذَا الْحَالِفِ أَنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ بِالْقُرْآنِ وَالْمِدَادَ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ ، فَقَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُكْرَهُ تَجْرِيدُ الْكَلَامِ فِي الْمِدَادِ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ وَفِي صَوْتِ الْعَبْدِ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ بِذَلِكَ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ .
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَوْتِ الْعَبْدِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي نَقْرَؤُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً لَا كَلَامُ غَيْرِهِ ، وَأَنَّ الَّذِي بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً ، وَلَكِنْ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا حَكَمَ عَلَى مَجْمُوعِ الْمِدَادِ الْمَكْتُوبِ بِهِ وَصَوْتِ الْعَبْدِ بِالْقُرْآنِ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْمَعَانِيَ الَّتِي تَلِيقُ بِالْخَلْقِ لَا بِالْخَالِقِ ، ثُمَّ يُرِيدُونَ تَحْرِيفَ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ إذَا وَجَدُوا ذَلِكَ فِيهِمَا ، وَإِنْ وَجَدُوهُ فِي كَلَامِ التَّابِعِينَ لِلسَّلَفِ افْتَرَوْا الْكَذِبَ عَلَيْهِمْ وَنَقَلُوا عَنْهُمْ بِحَسَبِ الْفَهْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي فَهِمُوهُ ، أَوْ زَادُوا عَلَيْهِمْ فِي الْأَلْفَاظِ أَوْ غَيَّرُوهَا قَدْرًا وَوَصْفًا ، كَمَا نَسْمَعُ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ وَنَرَى فِي كُتُبِهِمْ ، ثُمَّ بَعْضُ مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهَؤُلَاءِ النَّقَلَةِ قَدْ يَحْكِي هَذَا الْمَذْهَبَ عَمَّنْ حَكَوْهُ عَنْهُمْ وَيَذُمُّ وَيَحْنَثُ مَعَ مَنْ لَا وُجُودَ لَهُ وَذَمُّهُ وَاقِعٌ عَلَى مَوْصُوفٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ ، نَظِيرُ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : { أَلَا
تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ يَشْتُمُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .