أنت هنا

قراءة كتاب لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني

لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني

هذا الكتاب: مثل هذه الإرهاصات وغيرها، دفعتني للغوص بعمق في التاريخ، علّي أجد لها إجابات، أو مؤشرات قد نعتبر منها.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

بعد معركة دير زيتون سنة 1594، «آلت السلطة على البقاع من آل الحنش، إلى آل الحرفوش. الذين اتخذوا من الكرك عاصمة لهم، «وهي من المعاقل التي نما فيها نفوذهم وساعدهم على تسلم زمام الحكم في بعلبك، وكانت منطلق تحركاتهم نحو بعلبك شرقاً، وباتجاه ‏قب الياس ومشغرة غرباً. اختارها الحرافشة لغلبة التشيع على سكانها منذ عهد مبكر، وكانت ملاذ رجال الشيعة لما يدهمهم خطر الحكام. لم تكن الكرك مركزاً علمياً للمسلمين الشيعة وحسب، بل لعبت دوراً سياسياً بالغ الأهمية من حيث كونها مقراً لولاية البقاع العزيزي إلى جانب بعلبك، ومقراً لولاية البقاع ‏البعلبكي»((86)).
وبعد انتصاره على يوسف سيفا في موقعة نهر الكلب سنة 1598 وقتله علي سيفا (ابن أخي يوسف)، «تولى الأمير فخر الدّين على بلاد كسروان وبيروت، وضبط أرزاق بيت عسّاف»((87))، «غير أنه لم ينجح في تملّك الإقليم الشمالي لأكثر من سنة، لأن العثمانيين كانوا يدعمون يوسف باشا دعماً معنوياً»((88))، فوقع الصلح وتركهم ورجع إلى بلاد الشوف، «وكان معظم مقدمي الموارنة في بشري يأتمرون بأمر بني سيفا. وكان واجب المقدم الرئيسي أن يجمع الضرائب ويبعث بها إلى الأمير الذي يرسلها بدوره إلى السلطان بواسطة أحد الباشاوات القريبين منه»((89)).
كان ضم بيروت لإمارة فخر الدين تحدياً شديداً لوالي طرابلس يوسف سيفا، الذي كانت بيروت تابعة له من قبل. فظل ابن سيفا يترقب الفرص حتى أقصي مراد باشا القبوجي عن ولاية دمشق. عندئذ حاول ابن سيفا استرجاع بيروت، ولكنّ فخر الدين وحلفاءه الشهابيين وبني حرفوش باغتوه في ممر نهر الكلب وهزموا جيشه وطاردوه حتى كسروان والفتوح واحتلوهما عام 1598. وبعد أن تدخل والي دمشق الجديد، وبعض المصلحين، أعاد فخر الدين كسروان والفتوح وبيروت إلى ابن سيفا، لقاء إخلائه إلى الهدوء، وامتناعه عن مناوأة فخر الدين، ففضل فخر الدين صداقة ابن سيفا على عداوته((90)). غير أن الأخير لم يُحافظ على عهده طويلاً، حيث يذكر الشيخ طنوس الشدياق في أخبار الأعيان: «وسنة 1600م أرسل يوسفُ باشا سيفا يوسف وقانصوه ابني أحمد يقتلان مُقدّمي جاج، لأنّهم أحلاف الأمير فَخر الدين، فوجدا المُقدّمين الأربعة عند البيادر فقتلاهم، وسلبا أموالهم، وأخذا مشيخة بلاد جبيل عوضهم»((91)).
بعد أن اطمأن فخر الدين إلى إمارته الشمالية، انصرف إلى التوسع جنوباً، فضمّ عام 1600 سنجق صفد، وكان يشمل قسماً كبيراً من شمال فلسطين. وقد أدت طموحات فخر الدين التوسعية إلى إثارة قلق زعامات فلسطين المحلية. ففي منطقة اللجون كان آل طراباي لهم السيادة والزعامة، واشتهر منهم الأمير أحمد بن طراباي الذي حكم لمدة نصف قرن تقريباً، بين 1601 -1647((92))، ودارت بين الزعيمين عدة مواقع؛ وثمة أسرة من أصل شركسي كان زعماؤها حكاماً على نابلس والقدس، هم آل فرّوخ، وكانت تلك الأسرة حلقة الوصل بين آل طراباي في شمال فلسطين وآل رضوان في الجنوب (غزة)، وقد شغل أفراد آل فرّوخ وظيفة إمارة الحج الشامي لعدة أعوام، وتعاونوا مع حلفائهم على منع فخر الدين الثاني من الاستيلاء على القدس كما خطط لذلك، وقاموا بحماية الحجاج كل عام. ومن أشهر آل فرّوخ الذين تصدّوا لتوسعات فخر الدين، الأمير محمد بن فرّوخ الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه الأمير فرّوخ بن عبد الله وهو في طريقه إلى مكة على رأس قافلة الحج الشامي. وكان محمد قد عزل عن نابلس عدة مرات، ثم عاد إليها بفضل الدعم الذي لقيه من العثمانيين ضد عدوه الأمير فخر الدين الذي طمع بمنح حكومة نابلس لأبنائه وأعوانه؛ أما مركز القوى الثالث في فلسطين فكان آل رضوان حكام غزة ذوو الأصل التركي، الذين توارثوا حكم سنجق غزة ما يقرب من قرابة القرن ونصف القرن. وكان آل رضوان أبرز وأقوى أمراء الحلف الثلاثي الذي ضمهم مع آل طراباي وآل فرّوخ، حيث واجهوا فخر الدين ومخططاته»((93)).
استؤنفت النزاعات بين فخر الدين وحلفائه من جهة، وبين مناوئيه من جهة أخرى، ففي سنة 1602 «كبس الأمير موسى بن الحرفوش مع جماعته جبة بشري، فنهبوا البيوت واستاقوا الماشية، ولمّا بلغ ذلك يوسف باشا (سيفا)، جمع جنوده وأهل الناحية نحو خمسة آلاف رجل، وسار فيهم، فكبس مدينة بعلبك، فهرب أهل المدينة، فنهبوا وقتلوا من أدركوا، واحتمى شهلوب بن النبعة مع بعض الحرافشة، وكثير مِن أهل المدينة في قلعة بعلبك فحَرق يوسف باشا قلعة الحدث في بلاد بعلبك، وحاصر القلعة خمسين يوماً، ثُمّ ملكها وقتل ابن فاطمة ورعد بن نبعا؛ لأنّه كان مع الأمير فخر الدين في وقعة نهر الكلب، وقتل ابن أخيه الأمير عليّاً، ثُمّ نادى بالأمان»((94)).
عزم فخر الدين على تأديب ابن سيفا، «فتوجه إليه بجيش كبير كان قد أعاد تنظيمه، وعززه بالرجال والسلاح، فاشتبكت قوى الفريقين في جونية عام 1605، في معركة شديدة انتهت بانهزام ابن سيفا واستعادة فخر الدين لكسروان والفتوح وبيروت. ولكي يُحافظ فخر الدين على مكاسبه الجديدة، أخذ يغمر والي دمشق بالهدايا، فاعترف الوالي بإمارة فخر الدين على المناطق التي استولى عليها((95))، و«كوفئ بمنحه سنجق صفد وكلف بضبط الأمر بين سكانه من الشيعة والبدو. غير أن فخر الدين، مستقوياً بتحالفه مع توسكانا، وقائداً لجيش من 30 ألف مقاتل، ومسيطراً على نحو ثلاثين قلعة من قلاع المنطقة، عمد إلى توسيع سلطته إلى سهل حوران ومرتفعات الجولان في جنوب بلاد الشام»((96)).
عقب ذلك، قلد الأمير يونس المعني الشيخ أبا نادر الخازن ولاية كسروان ومعه مملوك الأمير ذي الغفار، وأمَره بالإقامة في كسروان، وفوّض إليه أمر الشوف وبلاده، وولى الأمير سليمان سيفا بلاد البترون ووضع عنده أُناساً مِن المشايخ، فأشار الحماديّة والشاعريّة على الأمير سليمان أنْ يطرد الخوازنة مِن عنده فطردهم، ولما بلغ يوسف باشا ذلك زحف عليه برجاله وحاصره في برج تولا، فكتب الأمير سليمان إلى الأمير علي المعني يستغيث به، فجمعَ الأمير علي رجاله حالاً وزحف بهم إلى نهر إبراهيم لمساعدته. فأما يوسف باشا فشدّد الحصار على الأمير سليمان، وتسلمه عنوة وسار به إلى عكار، وإذ بلغ الأمير علياً ذلك أمر بنهب قرى الحمادية والشاعرية وإحراقها؛ لأنّهم خدعوا الأمير سليمان بطرد الخوازنة مِن عنده»((97)).

الصفحات