كتاب " دفاعا عن الجنون - مقدمات " ، تأليف ممدوح عدوان ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
طوبى
طوبى للبطن الرافض حملاً كي لا يبقر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كتاب " دفاعا عن الجنون - مقدمات " ، تأليف ممدوح عدوان ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
طوبى
طوبى للبطن الرافض حملاً كي لا يبقر
بين الشعر والقراء
* مقدمة المجموعة الشعرية الأولى للمؤلف بعنوان (الظل الأخضر) وزارة الثقافة ـ دمشق 1967.
خير ما تكتبه هو ذلك الذي تكتبه وكأن أحداً لن يقرأك.. ذاك الذي تكتبه باطمئنان وكأنك تعترف.. كأنك تتعرى.. كأنك تضع نفسك المحملة على طاولة وتشرحها وأنت مقفل على وحدتك الباب ونوافذ البيت.. بلا خجل.. بلا خوف.. بلا حساب لأحد..
تدخل إلى البيت وكأنك تريد أن تبكي.. كأنك كنت تخجل من الناس أو تخافهم.. وفي البيت تتناول قلمك وتبدأ عملية التعرية والتشريح..
بعد قليل تبدأ الكتابة بحرية وعفوية.. تنسى كل شيء إلا شيئاً واحداً يتدفق كالنزيف.. كالتعرق.. دون اعتصار
و ـ يكاد يكون ـ دون أن تدري.
قد يمارس الآخرون عليك ضغطاً، وأنت في هذه الحالة، دون أن تشعر أو يشعروا، يمارسونه بحبهم.. باعجابهم.. باستهزائهم.. بأي موقف (تدري) أنهم يتخذونه من كتابتك.
حبهم يضغط عليك دون أن تدري.. أنه يمسك بك ويسمرك عند الكلمات التي أحبوها.. عند الأفكار التي يريدونها واستهزاؤهم قد يدفعك إلى تجنب أشياء كنت تريدها وتقتنع بها.. أو يدفعك إلى طرح أمور لا لزوم لها إلا الرغبة المجردة في تحديهم.
مجرد إحساسك بهم، لحظة الكتابة.. احساسك بتوقع شخص ما تعرف أنه يترقبك ـ وليس بالضرورة يراقبك ـ يجعلك تتعثر.. وتتلعثم وتفأفيء. كأنك تود السير بخطى لا تدري كيفيتها لأنك لا ترسم خطواتك ويشعرك أحدهم أنه يرقب قدميك.. عندها لن تستطيع أن تسير سيراً طبيعياً.
الالتزام؟!..
هل قلت شيئاً يتنافى والالتزام؟!..
إن لم تعط في حالة كهذه أدباً ملتزماً فإنك لن تعطي التزاماً صادقاً في حياتك.. وربما لن تعطي شعراً.. فالالتزام ليس استجداء التصفيق. والاهتمام بالناس لا يعني كتابة قصائد التعزية. هذه ليست وظيفة الشعر. للشعر وظيفة واحدة هي: (الدفاع عن إنسانية الإنسان في هذا العالم) كما يقول الشاعر فوزنيسنسكي.
والفنان المبدع هو الإنسان الصافي. وسعيه نحو النضج هو سعيه نحو هذا الصفاء.. نحو أن يكون (الكل) في نفسه. أنه السعي نحو كشف الحقيقة: حقيقة نفسه.. حقيقة كونه (إنساناً) حقيقة انسانيته, ولهذا يتساقط الكثيرون في طريق النضج.. وذلك حين ينفصل التطور الشكلي عن التطور في المضمون.. أو عندما تكون أفكارهم الجديدة ملصقة على حياتهم ولا تكون نابعة منها.
الفنان الحقيقي هو الذي يصل إلى نهاية المطاف.. هو الذي يغوص إلى القرار.. يصبح هو (الإنسان) وليس مجرد محمد أو حنا أو يوسف أو جورج.. يصبح هو الجذر الحقيقي للإنسان في عالم من هذا النوع.. في بيئة من هذا النوع.. وضمن علاقات من هذا النوع..
جميع هذه الشروط المحيطة بالانسان يجب أن يخترقها الفنان. أي أن الفنان ليس ـ في فنه ـ انساناً مشروطاً. إنه قد اخترق شروطه وسبر غورها.. ووصل إلى المكان الذي يستطيع منه (رؤية) كل شيء واكتشاف هذه العلاقات اكتشافاً واعياً.
وحين يرى نفسه مضطراً، رغم صفائه، أن يعيش ضمن هذه الشروط والعلائق التي اكتشفها تبدأ أزمته كفنان.. وتتحدد غربته التي تقضي عليه بالتحدي. الشعر الحقيقي يجب أن يصدر عن هذه الأزمة وإلا كان منافقاً أو مقصراً أو كانت التجربة الشعرية مغامرة نظرية لا ارتباط لها بالحياة.