أنت هنا

قراءة كتاب السيرة النبوية لابن كثير الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السيرة النبوية لابن كثير الجزء الأول

السيرة النبوية لابن كثير الجزء الأول

تقييمك:
4.0204
Average: 4 (49 votes)
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 4
العظيم، ولكن الاسى يغشانا حين نسأل: أين هذه الكتب التى تذكر له ولا يهتدى إلى مكانها ؟ ! والتى نعتقد أنها لو عثر عليها وقدمت إلى الناس لسدت فراغا وحققت نفعا.
 
إن من المؤسف أن يبدد تراث عزيز وتحرم منه أمة محتاجة.
 
ونحن ندعو من هنا كل الذين يعنون بأمر الثراث الاسلامي، وخاصة المسئولين عن ذلك في الدولة، أن يبحثوا عن آثار هذا الامام العظيم، وأن يهيئوا لكتبه النافعة السبيل كى تأخذ طريقها إلى أيدى الناس، وأن يعاد تقديم كتبه المطبوعة في صورة صحيحة لائقة، بعيدة عن التجارة والاستغلال.
 
هذا الكتاب: ولكتابنا هذا الذى نقدمه اليوم قصة.
 
فلقد كان الخيط الذى أمسكنا به هو أن ابن كثير ذكر في تفسيره في سورة الاحزاب في قصة غزوة الخندق، أنه قد كتب السيرة النبوية مطولة ومختصرة، حيث يقول: (وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة الذى أفردناه موجزا وبسيطا ولله الحمد والمنة).
 
ومعنى ذلك أن كتابته للسيرة النبوية قد عرفت طريقها إلى أيدى الناس في عصره، ولكن البحث في ناحية المخطوطات لم يدل على وجود تلك السيرة ككتاب مستقل، ويبدو أنه حينما ألف كتابه الضخم (البداية والنهاية) قد أدمج تلك السيرة فيه، وأن شهرة ذلك الكتاب وانتشاره في الانحاء، قد جعل الناس يقرأون تلك السيرة فيه، ولم يعد لها كيان مستقل ككتاب، وإذا كان ابن كثير قد ذكر أنه له السيرة النبوية
 
مبسوطة، أي مطولة، فإنه لا يعقل أن يكتب فيها أكثر من ذلك القسم الموجود بكتابه (البداية والنهاية).
 
ومن هنا فقد اتجهت إلى نشر (السيرة النبوية لابن كثير) وهى ذلك القسم الذى
 
أفرده ابن كثير لاخبار العرب في الجاهلية وسيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه وتاريخ دعوته حتى وفاته.
 
على اعتبار أن هذا القسم هو السيرة النبوية المطولة التى أشار إليها ابن كثير في تفسيره.
 
والذى دعاني إلى ذلك اسباب منها: 1 - أن تلك السيرة قد شغلت نحو ثلاثة أجزاء من كتاب البداية والنهاية، من أواخر الجزء الثاني حتى أواخر الجز الخامس، وهى بذلك موزعة بين أربعة أجزاء.
 
2 - أن هذه الاجزاء من البداية والنهاية مرتفعة الثمن جدا، حتى لقد بلغ ثمن الجزء الثالث وحده أربعة جنيهات مصرية إن وجد ! ! تبعا لاحتكار التجارة في المراجع وقلة النسخ الموجودة.
 
3 - أن هذه الطبعة المشار إليها مليئة بالتحريف والتشويه بصورة فظيعة، ولا أدرى كيف ظلت هذه الطبعة تتداول في أيدى العلماء والطلاب مع أنها لاتكاد تخلو صفحة منها من تحريف أو تصحيف أو سقط.
 
تلك الاسباب جعلتني أرى في نشر السيرة النبوية لابن كثير تحقيقا لفوائد كثيرة...أهمها تعميم النفع بها بعد أن كانت محصورة في أيدى قلة ممن يقدرون على شراء البداية والنهاية كلها بثمنها المرتفع.
 
وكذلك تحقيق قصد ابن كثير حين كتب تلك السيرة المطولة وأراد أن تشيع وحدها بين الناس.
 
وكذلك إنصاف ذلك العمل الجليل من أن يظل في صورته الشائهة المليئة بالتحريف.
 
سيرة ابن كثير: ونقف هنا مستعرضين كتابة ابن كثير في سيرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، متأملين في خصائصه باحثين عن منهجه.
 
1 - إن أول ما نلمسه في سيرة ابن كثير أنه اهتم بالرواية بالاسانيد، تمشيا مع صبغته الغالبة عليه كإمام محدث، وأكثر مروياته عن الامام أحمد والبيهقي، وأبى نعيم.
 
فلم يكتف بنقل ما كتبه أهل السير أمثال ابن إسحاق وموسى ابن عقبة، ولكنه جمع ما رواه أهل الحديث وبذلك اكتسب مزية يتفرد بها بين من كتبوا في السيرة.
 
وقد نقد ابن كثير بعض الاسانيد عند ما يكون المتن غريبا، ليحكم على بعض الاحاديث، وأحيانا يبين درجة الحديث دون أن ينقد السند 2 - ثم نجد ابن كثير يمتاز بأنه ينقل عن بعض كتب السير المفقودة مثل كتاب موسى بن عقبة، ومثل كتاب الاموى في المغازى، كما ينقل عن بعض شروح السيرة مثل الروض الانف للسهيلي، والشفا للقاضى عياض.
 
3 - وفى مجال الاستشهاد بالشعر لا يهمل ابن كثير هذه الناحية، ولكنه لا يتابع ابن هشام في كل مروياته من الشعر فيختصر بعضها ويهمل البعض الآخر.
 
4 - وبالجملة فإن ابن كثير يحرص على جمع كل ما كتب في الموضوع الذى يتناوله،
 
ولكنه لا يدمج الاحاديث والاخبار بعضها في بعض، بل يحتفظ لكل نقل بطابعه ومكانه، وكثيرا ما يعوزه الترتيب في النقل، فلا ينسق الاخبار التى ينقلها حتى تكون وحدة منسجمة فأحيانا يبدأ بالخبر المطول، ثم يذكر بعده أخبارا تحتوى على جانب من هذا الخبر أو تكرره 5 - فإذا تتبعنا نقول ابن كثير عن غيره وجدنا فيها ظاهرة عجيبة..هي: أنه يكاد لا يلتزم نص أي شئ ينقله..! فنقوله عن ابن إسحاق أغلبها
 
بالمعنى، وقد تتبعت ذلك في بعض الصفحات، ورأيت أن إثبات الفروق بين ابن كثير وابن إسحاق شئ يطول مداه، فابن كثير يقدم ويؤخر ويزيد وينقص، ويغير ويبدل ويفوت بهذا التغيير والتبديل كثير من جمال عبارة ابن إسحاق وتناسقها كذلك نجد روايات ابن كثير للاحاديث تختلف بعض الاختلاف عما في أيدى الناس من الكتب التى ينقل ابن كثير عنها.
 
فأحاديث البخاري التى يرويها ابن كثير بقوله: (وقال البخاري) لا تنطبق حرفيا مع صحيح البخاري الذى بأيدينا.
 
كذلك القول في روايته عن صحيح مسلم وعن مسند أحمد وعن دلائل النبوة لابي نعيم وعن دلائل النبوة للبيهقي، وعن الشفا للقاضى عياض وعن الروض الانف للسهيلي...تكاد لاتجد خبرا مطابقا بحروفه لما في الكتب المتداولة، فلا يخلو الامر من تغيير أو نقص أو اختصار.
 
وحين نقف أمام هذه الظاهرة نبحث عن أسبابها فإن هناك أحد احتمالين:
 
1) إما أن يكون ابن كثير - وهو الامام الحافظ المتقن - كان يعتمد على حفظه وروايته ولا ينقل عن النسخ المتداولة 2) وإما أنه كانت هناك نسخ أخرى تختلف عما وصل إلينا من هذه الكتب.
 
وعلى كل فإن مثل ابن كثير حجة في باب الحديث ولكنها على أي حال ظاهرة تستلفت النظر أن تكون روايات ابن كثير للاحاديث ونقوله عن الكتب مخالفة لما في أيدينا من هذه الكتب...وهى مخالفة لفظية يسيرة في بعض الاحيان.
 
6 - فإذا ما تفحصنا منهج ابن كثير في الروايات، رأيناه لا يبالي برواية كثير من الاخبار الواهية وخاصة في أخبار الجاهلية وهتاف الجان وقصصه.
 
وقد كان بإمكانه ألا يلتفت إلى هذه الاخبار التى لا تتمالك أمام النقد، لكنه كان يبرئ نفسه بأمرين: 1) ذكر السند في كل خبر يثبته، وبذلك يلقى التبعة على غيره.
 
ب) أنه كان يعلق على بعض هذه الاخبار بأنه (غريب جدا) أو (لم يخرجوه) ونحو ذلك مما يضعف جانب الخبر.
 
لكننا مع ذلك نود أن لو أهمل ابن كثير هذه الاخبار التى ليس لها سند من العقل أو الحقيقة، والتى تزحم الاذهان وتشوش على الحقائق.
 
وخاصة فيما يتصل بحياة الرسول الكريم صلوات الله عليه، فمثلا الحديث الذى يرويه عن البيهقى عن العباس أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (رأيتك في المهد تناغى القمر وتشير إليه بإصبعك، فحيث أشرت إليه مال) ! ثم يذكر موافقة الرسول على ذلك حديث لا يتفق مع العقل أو مع حقائق الوجود، ولا يغنينا بعد ذلك أن يقول ابن كثير: (تفرد به أحمد بن إبراهيم الحلبي وهو مجهول).
 
إن مثل هذا الحديث يفتح ثغرة أمام أعداء الاسلام ليهجموا على السيرة النبوية من

الصفحات