كتاب " كتاب الميلانخوليا " ، تأليف نجم والي ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب كتاب الميلانخوليا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
زهرة سوق الشيوخ
إلى إنعام البطاط كل ما تبقى من سوق الشيوخ
لابد أنه كان يوم العشرين من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وثمانين، عندما رأيته يدخل المقبرة للمرة الأولى· بالأحرى لم أكن أنا الذي رأيته، إنما هو الذي لمحني وتوجه صوبي مباشرة، وهو ينادي:
- أيها السيد!
ما كنت حفظت تاريخ ذلك اليوم بالضبط، لو لم يكن حصل ما حصل في الأسبوع الذي طلبوا فيه مواليدي لخدمة الاحتياط· كانت قد مرت على الحرب أربعة أسابيع فقط· وقبل رحيلي إلى الجبهة في ذلك الاثنين، قررت زيارة قبر زوجتي التي ماتت بعد اندلاع الحرب بثمانية أيام، إذ نمت زهرة البيجونيا في رئتها اليسرى ليقطع نموها السريع أي صلة لها بالحياة - كما أخبرنا طبيبنا الخاص - فقد ألقت الزهرة ظلالها على كلا الرئتين وراحت تعيش من الهواء الذي كانت تتنفسه زوجتي·
كنت قلقاً جداً، ربما بسبب هاجس لم يستحوذ علي اعتباطاً، أن هذه الحرب سوف تكون حرباً طويلة، وأنني يقيناً لن أستطيع زيارتها مرة أخرى· هكذا قررت وداع رِفقة (زوجتي) للمرة الأخيرة· اشتريت زهوراً نادرة من محل يقع في مركز المدينة، كانت مفاجأتي حينما عرفت اسمها لاحقاً· لقول الحقيقة لم أختر الزهور التي لم أعرف بوجودها حتى ذلك اليوم في المدينة، إنما هي بائعة الزهور التي رأيتها للمرة الأولى· قالت لي إن كنت تبحث عن زهور غير عادية لشخص غير عادي، فليس غير الأكاسيا، فقلت لها فرحاً ياريت وفي ذهني كانت تطن قصائد بايرون التي ترجمتها قبل أيام فقط من موت رِفقة، والتي يتحدث فيها عن الأكاسيا·
كنت قد نثرت الزهور فوق قبرها للتو، منحنياً فوقه بعض الشيء وكأنني كنت أناجيها· لم أحس بخطواته التي اقتربت مني، لذا لم ألتفت إلا عندما سمعته يناديني ويؤشر على الحزمة التي انتهيت من وضعها على القبر:
- أيها السيد، من أين حصلت عليها؟
وعندما رآني أتطلع به مستفسراً، أضاف:
- أقصد زهور البيجونيا؟
اندهشت وحاولت تصحيح جملته:
- الأكاسيا عفواً·
بصراحة ليس عندي معرفة جيدة بالزهور، ولولا تسمية الطبيب للزهرة التي حفرت جذرها في قصبة رِفقة الهوائية، لما بدأت في شراء الكتب الخاصة بها· هكذا جعلني تعليقه أفكر بأمر الزهرة من جديد، ولكن الوقت كان متأخراً بالنسبة لي لجمعها من مكانها وحملها بعيداً· لم يبق لي إلا أن أهز رأسي وأعتبر تعليقه غير ذي أهمية·
كرر سؤاله:
- من أين حصلت عليها؟
في تلك اللحظة أجبته بجواب سأبقى نادماً عليه طوال حياتي، لأني بسببه لم أستطع الفكاك من ذلك الرجل منذ ذلك المساء!
- كيف من أين؟ إنها موجودة في كل مكان!
نظر لي بعيون معذبة:
- إذن ساعدني في العثور عليها·
وقبل أن أعلق على جملته، أردف:
- ربما تحصلون عليها أنتم الضباط فقط!