كتاب " الحضارة العربية الاسلامية في المغرب (العصر المريني) "، تأليف د.مزاحم علاّوي الشاهري ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الحضارة العربية الاسلامية في المغرب (العصر المريني)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحضارة العربية الاسلامية في المغرب (العصر المريني)
ثانياً: تولي أبي الحسن علي بن عثمان الحكم المريني
1- نشأته
هو علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، يكنى بأبي الحسن، كما يعرف بـ «أمير المسلمين» وهو اللقب الذي غلب على سلاطين بني مرين، منذ أن تولى مؤسس دولتهم يعقوب بن عبد الحق، كما عرف بالأكحل(54).
ولد بتفرديون في صفر عام 697هـ/تشرين الثاني 1297م (55)، وكان منذ نشأته متميزا عن اقرانه، ملازما لمسجد المقدسي بالعباد السلفي يواظب على الصلاة، ويستمع لمن يقرأ فيه، وقد تربى على مبادئ دينية وأخلاقية سليمة (56)، وقيل عنه انه كان من شدة تقواه وخوفه من الله يبكي كلما قرأ القرآن بين يديه (57).
أما عدله فقد وصفه احدهم بأنه «اعدل من رؤى من الملوك في هذه الإعصار»(58)، وأضاف آخر انه «آخر ملوك العدل نشأة» (59). وليس أدل من عمق هذا الوصف الذي نعته به ابن مرزوق حيث قال «كان أمامنا.. اشد الأئمة مسارعة لحسنة يبديها ولسيئة يمحو أثرها، فقامت السنن في مدته على ساق، وذهبت آثار البدع ولم يبق لها انتظام ولا اتساق»(60)، وأضاف آخر عن تقاليد يومية اتبعها السلطان في جلوسه للمظالم ووصفه بأنه كان يجلس في قبة معلومة والأشياخ من حوله يتقلدون سيوفهم، فيحضر الشاكي، فيصيح من بعيد: «لا اله إلا الله انصرني نصرك الله» عندما تؤخذ قصته، فإذا عاد إلى قصره، تدارسها مع كاتب السر، وبت فيها (61).
ومن دراستنا للبيئة التي عاش فيها السلطان أبو الحسن، يتضح لنا انه عرف وعاصر مجموعة من العلماء الذين اغنوا الحياة العلمية في المغرب آنذاك، ويكفي أن نتعرف على مجلس أبيه الذي كان يضم أمثال القاضي أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن الملييلي، والرحالة أبي عبد الله بن رشيد الفهري، والأديب أبي محمد عبد المهيمن بن الإمام أبي عبدالله الحضرمي، وأبي عبد الله بن مدين (62)، وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن السلطان أبا الحسن قد استقى ثقافته من هؤلاء فقط وإنما عنينا بذكرهم لدورهم في مجالس المرينين في حكم أبيه، على أن مجلس أبيه كان أيضاً يضم أدباء وعلماء كان لهم – بلا شك – الفضل في بناء شخصية السلطان أبي الحسن الثقافية والدينية.
ويكفي لذلك أن نرى مقدار اهتمام والده وأجداده بمراكز العلم والمدارس وتوفير عناصر ديمومتها، خدمة لطالبي العلم، وتشجيعا للعلماء لنعرف بالنتيجة كما هي ثقافة أبي الحسن المتنوعة، التي امتلكها بسبب حضور العلماء الذين قصدوا دولتهم ومن أماكن مختلفة.
ومهما يكن من أمر، فإن المعلومات المتوفرة عن شخصية أبي الحسن فيما يتعلق بالذين أشرفوا على نماء ثقافته قليلة، غير أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى انه كان احد أطباء أبيه (63)، في حين وصفه بعضهم أن له معرفة في الشعر ومن قوله:
وارضــي الله في ســـر وجهـــري
واحمي العرض على دنـــس ارتياب
وأعطــي الوفر من مـــالي اختيارا
واضرب بالسيوف طلى الرقاب (64)
أما مجلسه فقد كان زاخرا بالعلماء، الذين اصطفاهم لنفسه، وزين حياته بهم، حتى صاروا سمة له، حيث «.. كان.. ابر الناس بأهل العلم واعرفهم بقدرهم، أستخلصهم لنفسه وجمعهم من سائر بلاده في حضرته، وجعله من خواص أهل مجلسه وأجرى عليهم الجرايات التي تكفيهم حضرا وسفرا» (65).
ولتنوع العلماء في اختصاصاتهم، يمكن أن نضع أيدينا على بعض معالم ثقافته من خلال الكتب الدينية والعلوم التي كان يفضل قراءتها في مجلسه، بيد أننا سنكتفي بذكر القليل مما كان يرغب في دراسته، فقد قرأ صحيح البخاري مرات وصحيح مسلم والسير، والاكتفاء لأبي الربيع، وسراج الملوك والفرج بعد الشدة، وفتوح الشام، والحلية لأبي نعيم(66).
لم يتجاهل المؤرخون قدر أبي الحسن، وأثره في ازدهار الدولة المرينية في السياسة والعلم والميادين الأخرى، فقد قال احدهم في معرض حديثه عن دوره بين سلاطين دولته بأنه: «فخرها وواسطة عقدها ومشيد منار مجدها» (67)، وتحدث ابن حجر قائلا بأنه: «كامل السؤدد، شديد المهابة»(68)، ووصفه احد المؤرخين الغربيين بأنه «أقوى ملك في القرن الرابع عشر الميلادي» (69).
والواقع أن تلك الصفات التي تمتع بها كمقاتل شجاع ورجل سياسة متميز، ورغبته العلمية في أن يكون فقيها متميزا بين الفقهاء وأديبا بين الأدباء، كانت عاملا جوهريا في نجاحه على الأصعدة كافة، وأبرزها سعة دولته التي احتوت حدود الإمبراطورية الموحدية في المغرب العربي وان كان ذلك لفترة قصيرة (70).