كتاب " الحضارة العربية الاسلامية في المغرب (العصر المريني) "، تأليف د.مزاحم علاّوي الشاهري ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الحضارة العربية الاسلامية في المغرب (العصر المريني)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الحضارة العربية الاسلامية في المغرب (العصر المريني)
3- ضم الدولة الحفصية في تونس
منذ أن قامت الدولة المرينية وعلاقتها تزداد، بل وتتعمق مع الحفصيين لأسباب عديدة في مقدمتها الخطر المستمر على الدولتين من قبل حكام المغرب الأوسط، وبطبيعة الحال فقد اتسمت هذه العلاقة بالحرص على مساندة بعضهما، بغية إضعاف بني عبد الواد.
وعلى ضوء ذلك، استمرت السفارات بينهما، وتبادلا الهدايا في مختلف المناسبات(97)، وشهدت العلاقات المرينية – الحفصية تطورا واضحا، بل انتقلت إلى مرحلة مهمة تمثلت بالمصاهرة فيما بينهما، فبعد أن حضرت السفارة الحفصية العاصمة فاس - بعد موقعة الرياس- (98)، التي ترأسها الأمير أبو زكريا ووزير الدولة الحفصية أبو محمد عبدالله بن تافراجين حيث وقعوا معاهدة ضد آل زيان مع السلطان المريني فبادر السلطان الحفصى في خطبة ابنته الحرة فاطمة لولي عهده آنذاك ابنه أبي الحسن، على أن المؤرخ ابن خلدون يشير إلى أن الرغبة المرينية في المصاهرة مع الحفصيين قد سبقت سنة 730هـ- 1329م عندما أرسل السلطان أبو سعيد قائده البحري يحيى الرنداحي إلى تونس في سنة 721هـ- 1321م ولكن انشغال الدولة المرينية بأوضاعها الداخلية أعاقها عن تحقيق ذلك، حتى كانتسنة 731هـ- 1330م عندما وصلت إلى الدولة المرينية شخصيات مهمة من كبار الدولة الحفصية يرافقون ابنة السلطان الحفصي(99).
وتجدد المصاهرة ثانية بين السلطان الحفصي أبي بكر والسلطان المريني أبي الحسن، وذلك لمقتل الأميرة فاطمة في واقعة طريف، وكانت أيضاً هذه السفارة المرينية قد وصلت العاصمة تونس في سنة 746هـ- 1345م وتم عقد القران على عزونة ابنة السلطان أبي بكرالحفصي أيضاً، وتقديرا لهذا توجهت سفارة حفصية كان فيها الأمير الفضل صاحب بونة ابن السلطان الحفصي عن طريق البر في جمادى الثاني من سنة 747هـ- أيلول 1346م(100).
على أن العلاقات المرينية – الحفصية تغير حالها، وسادها التوتر على أثر وفاة السلطان الحفصي أبي بكر في رجب سنة 747هـ تشرين الأول 1346م (101)، والسبب في ذلك يعود إلى مؤامرة الأمير عمر بن السلطان الحفصي الذي أعلن البيعة لنفسه وتجاهل أخاه ولي العهد ولقب نفسه بالناصر، بعد أن قتل أخاه الأخر في العاصمة(102).
علم ولي العهد الحفصي بما حصل بعد وفاة أبيه، فاتجه في شعبان من السنة نفسها لاسترداد مركزه، وقبل أن تشتبك القوتان، هرب الوزير الحفصي ابن تافراجين (103)، وتخلى عن الأمير عمر، بينما لحق القسم الأكبر من قوات الأمير عمر بأخيه أحمد ولي العهد، فشعر الأمير عمر بعدم قدرته على المواجهة، فهرب إلى مدينة باجة، بينما دخل الأمير أحمد إلى العاصمة، وأعلن نفسه سلطانا على البلاد، غير أن فوجئ في اليوم الثامن من دخوله، بعودة الأمير عمر الذي تمكن من السيطرة على العاصمة، وقتل أخيه مع جملة من المقربين، ونصب نفسه سلطانا على البلاد (104).
أن الاضطرابات السياسية التي عاشتها البلاد الحفصية كانت فرصة ثمينة ومناسبة لتحقيق حلم أبي الحسن في ضم الدولة الحفصية إلى دولته، فضلا عن وجود الوزير الحفصي ابن تافراجين الهارب إلى المرينين والذي كان بدوره يحث على ضمها(105).
انطلق الجيش المريني في صفر سنة 748هـ- أيار 1347م معتمدا في تقدمه على أرضاء من بايعه عن طريق منحه الولاية التي كان يحكمها أو تعويضه بأخرى، كما تسلم مدينتي بجاية وقسنطينة، وفي باجة تسلم رأس الأمير عمر الحفصي، كما تم السيطرة علىالشخصيات السياسية البارزة في الدولة الحفصية، ثم دخل سنة 748هـ-1347م العاصمة تونس في موكب رسمي رائع، واستقبل بحفاوة وتكريم(106).
وهكذا تمكنت الدولة المرينية أن تعيد للمغرب العربي وحدته، فكانت حدودها من مصراته(107)، إلى السوس الأقصى في المغرب الأقصى والى رندة في الأندلس، وذكر ابن مرزوق أن دولة أبي الحسن امتدت من «آخر المعمور بالمغرب إلى حدود برقة»(108).