كتاب "حرب السويس وشروق شمس الناصرية " ، تأليف نواف نصار ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب حرب السويس وشروق شمس الناصرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حرب السويس وشروق شمس الناصرية
رابعاً: القضاء على عبد الناصر
ليس غريباً أن يكون عبد الناصر وأسلوب حكمه وإدارته لأمور الدولة ، وشعاراته وخططه للنهوض بمصر كقوة مواجهة للغرب ولإسرائيل بالذات ،ومناداته باستقلالها ، واستغلال مواردها وقدراتها وإنسانها،وتوجهاته القومية المعلنة لجمع الصف ، وتوحيد الجهود والقوى ، وتوجهه نحو الشرق لإمداده بالخبرات والسلاح ، فأوجد بذلك قيادة وطنية واعية ملتزمة تفتقر إليها الأمة في ظروف دقيقة للغاية... ليس غريباً لكل ذلك أن يكون ناصر سبباً من أسباب العدوان الثلاثي على مصر .
لقد أعلن ناصر منذ الأيام الأولى لثورة يوليو أن مصر ليست مستعدة لقتال إسرائيل في ذلك الوقت ، فالميراث الذي ورثه عن سلفه الملك فاروق كان حقبة من الفساد والتراجع والاستسلام لمشيئة الغرب ، فلم يترك جيشاً قوياً قادراً على خوض معركة ،ولا اقتصاداً يمكن أن ينهض بالبلد ، ولا مالاً يمكن أن يستعان به لبناء أو تقدم أو ازدهار ، فتاريخ فاروق وبطانته لا يخبر بوطنية أو غيرة على الوطن ، أو أدنى نية في عمل إيجابي يذكر ، بل إن كل ما يمكن أن يذكر أو يدون هو تاريخ من الفساد والحفلات والمغامرات والقمار والنساء، وإنفاق الأموال على كل شيء إلا مصلحة الشعب والبلاد ، لذا ارتأى الزعيم الراحل أن الأولى والأجدى هو النهوض بالبلاد زراعياً وصناعياً وعلمياً وعسكرياً واجتماعياً وثقافياً لتمكين الإنسان المصري من النهوض ليصبح قادراً على قتال إسرائيل الناهضة السائرة على دروب القوة والتطور، ولما سمع بن غوريون هذه التصريحات قال :" هذه أخبار سيئة جداً " وكان صادقاً !
ولنقرأ ما بثته إذاعة قبرص البريطانية إثناء المعركة : " إنكم ما لم تجلوا فلن يكون هناك أي شك في أن دياركم ستدمر ، لقد ارتكبتم خطيئة ...وهي أنكم وضعتم ثقتكم في عبد الناصر" ويضيف راوي هذا الخبر: وهكذا ظهرت بجلاء ووضوح النية الحقيقية للتدخل الإنجليزي الفرنسي – ألا وهو الإطاحة بحكومة عبد الناصر " ( 26 )
ولكن ما يهمنا في هذا الفصل هو أننا لن نتناول بالبحث الإنجاز الناصري بعد العدوان الثلاثي ، بل ما كان قد قام به بالفعل ، أو ما صرح بأنه سيفعله ويخطط له ، خاصة وأن النوايا كانت مقترنة بالأفعال على غير ما تعودت عليه إسرائيل والدول التي ترعاها !
" وأخذت الصحف البريطانية تتحدث علانية : أحياناً في مواربة ، وأحياناُ في سذاجة مضحكة عن الأدوار التي يمكن أن يسندها الغرب لجمال عبد الناصر .
" أيمكن أن يقوم بدور نابليون ؟ أنستطيع أن نسند إليه دور جورج واشنجتون ؟ وقالت أشد هذه الصحف عداءً إن هذا الرجل الصموت الذي يحسن التواري عن الناس لا يصلح إلا لدور بروتس: المتآمر الأكبر !
كان واضحاً من هذا كله مدى الحيرة التي وقعت فيها بريطانيا إزاء عبد الناصر وهي حيرة لم يفعل الرجل العظيم شيئاً واحداً ليبددها ، بل لعله تعمد أن يزيد الاستعماريين الإنجليز خيالاً على خيال "( 27 )
ولا ننس أن " زعامة ناصر ( شعبيته ، نفوذه ،جماهيره ، آثاره ، أفكاره )تعدت حدود القطر الذي انتمى إليه وتحمل مسؤولياته ، لتشمل الوطن العربي كله من محيطه إلى خليجه ، وكأن لا حدود سياسية ولا قانونية بين قطر وآخر تقسم الوطن الواحد إلى أكثر من عشرين كياناً يتمسك كل منها بزعاماته ومسؤوليه " ( 28 )
ونحاول هنا تلخيص أهم الأسباب النابعة من عبد الناصر نفسه ، والتي كانت وراء حرب السويس :
أولاً : إعلانه أهدافه الوطنية : وكان يعلن عن أهدافه بوضوح وبدون مواربة ، ومنها :
" 1- تصفية جميع مناطق النفوذ الأجنبية في العالم العربي سواء أكانت اقتصادية أم سياسية .
2- قيام كتلة عربية مستقلة عن الشرق والغرب تسعى إلى تحقيق مصلحة العرب وحدهم وفقا لما يحددونه هم لا ما يحدده مصدر أخر .
3- تحقيق وحدة العرب السياسية من المحيط إلى الخليج .
4- بناء دولة عصرية قوية ، ذات اقتصاد قوي تعتمد على مواردها الطبيعية ، وإنسانها المؤمن بعروبته ، المنتمي لوطنه وقيادته .
وتحقيقاً لهذه الأهداف رفض عبد الناصر كل الأحلاف ومعاهدات الدفاع الغربية ، وشن حملة واسعة النطاق على النفوذ الغربي في العالم العربي وتعاون مع الاتحاد السوفييتي – بصفة وقتية - في نضاله ضد الغرب "
ثانياً : حملته على سياسة الأحلاف في المنطقة :
لقد كان ناصر صاحب الدور الرئيس في فشل سياسة الأحلاف وانهيارها ، يثبت ذلك مواقفه الوطنية الواضحة التي تدل على وعي وذكاء وبعد نظر في تلك السن المبكرة ، وبالخبرة الضئيلة في الحكم وكواليسه ومؤامراته .
لقد شن ناصر حملة عنيفة – وبكل الوسائل- ضد الأحلاف التي كانت ستجر الأمة إلى عهود الاستعمار الأولى بتسميات جديدة ، وأول هذه الأحلاف حلف بغداد الذي استمات نوري السعيد رئيس وزراء العراق آنذاك في الدفاع عنه وتبريره بشتى الوسائل ، فكان رد ناصر:
" المعاهدة أو الحلف الذي ينتج عنه احتلال وسيطرة أجنبية وتدخل أجنبي ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحمي الوطن ويحمي سلامة الوطن ، ويؤمن بحرية الوطن ، لأن هذا الحلف الذي تتولاه دولة أجنبية ، أو تقوم به دولة أجنبية ، ليس إلا مرحلة من مراحل السيطرة ، وليس إلا عدواناً في حـقيـقة الأمـر "( 29) وكان صانعوالحلف يرون أن الخطر الذي يهدد العرب قادم من الاتحاد السوفييتي ولا بد للتعاون مع الغرب لردعه .
" وقد صرح رئيس الوزراء البريطاني انتوني ايدن في مجلس العموم سنة 1956 أنه صاحب فكرة حلف بغداد ، وان ميثاق بغداد تعزيز لنفوذ بريطانيا في الشرق الوسط ، وانه لا يتعارض مطلقاً مع مصالح إسرائيل ، بل إن نظرة جغرافية بسيطة تجعل الحكومة الإسرائيلية تعتقد أن الغرض من ميثاق بغداد هو صرف نظر الطرفين إلى اتجاه آخر غير إسرائيل " ( 30 ).
في حديث لناصر يوم 8 أيلول 1957 عن مشروع ايزنهاور بضرورة قيام الأحلاف وانضمام العرب لها ، شرح أهداف السياسة الأميركية التي تتلخص في ثلاثة أمور وهي :
1- تصفية قضية فلسطين .
2- فرض نظام دفاعي يخدم المصالح الأميركية وحدها
3- انحياز إلى السياسة الأميركية في جميع المشاكل الدولية ، بحيث تتحول الدول العربية بالفعل إلى منطقة نفوذ لأميركا .
أما فيما يتعلق بإسرائيل ، فقد رأى أن المشروع يحقق ما يلي :
1- تحويل النظر عن خطر إسرائيل .
2- خلق أخطار وهمية من بعض العرب على البعض الآخر .
3- إعطاء سلاح لا يخيف إسرائيل لبعض الدول العربية .( حصلت العراق من انضمامها للحلف على ثلاث طائرات !)
4- ربط بعض الدول العربية في نطاق واحد مع إسرائيل ، نطاق تقوم فيه اميركا بدور التوفيق والتنسيق في جميع النواحي العسكرية ، ذلك ان اسرائيل لم تعد في الحقيقة عدواً لهذا البعض من الدول العربية بل أصبحت زميلا في الحلف " ( 31 )
وكان نوري السعيد يرى ان عهد الاستقلال التقليدي قد انتهى ، وأن الخطر القادم من الشيوعية والاتحاد السوفييتي لا يمكن رده الا بالانضمام للغرب والاستعانة بسلاحه لرد الخطر .
ورد ناصر بأن العرب قادرون على إجبار المستعمر على الرحيل بدون ان يكون هناك فراغ برحيله ، لأن المنطقة تسكنها أمة عربية قادرة على الأخذ بالقوة ، أما الاعتماد المتبادل فيجب ان يكون ضمن الإطارالعربي ، وأن الخطر لن يأتينا من الإتحاد السوفييتي ، بل إن الخطر جاثم امامنا وعلى القرب منا ..إنه إسرائيل ! ، اما تركيا وباكستان وإيران فلن تحارب معنا ضد إسرائيل لأنها لا تشعر بخطرها لبعدها عنها .( 32 )