أنت هنا

قراءة كتاب دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر

دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر

كتاب "دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر " ، تأليف د. محمد علي داهش ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

سياسة فرنسا الاستعمارية في المغرب العربي

احتلت فرنسا الجزائر عام 1830، وراحت تتطلع لنشر جناحيها على تونس والمغرب. وابتدأت بالعدوان على الهوية العربية الإسلامية. وقد كان رجال الكنيسة يأملون من الاحتلال، القضاء على الإسلام والمسلمين أو تحويلهم إلى حظيرة المسيحية!!. وقد ذكر الجنرال كليمون تونروزيرالحربية عام 1830 ما نصه: «ليس من الغريب ان نرى العناية الإلهية تناشد الملك (شارل العاشر) وريث سان لوي(3)، لينتقم للإنسانية والدين والإهانة الشخصية … ان العناية الإلهية خصته بهذا النصر في الجزائر لجعل المواطنين مسيحيين…»(4)، لذلك اصطحب قائد الحملة الفرنسية،الجنرال بورمونت، ستة عشر قسيساً، وصرح بعد احتلال مدينة الجزائر قائلاً: «إنكم أعدتم معنا فتح الباب للمسيحية في إفريقيا، ونأمل ان تنبع قريباً الحضارة التي انطفأت في هذه الربوع»(5).

ومنذ بداية الاحتلال، بدأ الهجوم على اللغة العربية ومؤسساتها الثقافية والدينية، ولما كانت اللغة العربية وعاء الدين الإسلامي باعتبار لغته العربية، فإن هذا الهجوم يحيل للقضاء على الدين، لأن فهم الدين لا يتم إلا بمعرفة اللغة العربية. وعليه بدأت سلطات الاحتلال بالقضاء على المؤسسات التعليمية والدينية، بالاستناد إلى مبدأ رئيس هو محاربة اللغة العربية واعتبارها لغة أجنبية!! وقد أكد القائد الفرنسي (رين) انه «كان للغزو الفرنسي نتائج وخيمة … منذ وضعت السلطات المحتلة يدها على المنشآت العامة، ولم يبق إلا بعض المدارس العديمة الشأن …»(6).

إذن، كانت بداية السياسة الفرنسية في الجزائر ثم في الأقطار المغاربية التي احتلتها تباعاً تونس (1881) وموريتانيا (1903) والمغرب (1912) العمل على محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي. وقد أجمع ساسة فرنسا وقوادها العسكريون والمبشرون الدينيون وغيرهم من رجال الفكر والثقافة على التمهيد بسياستهم العدوانية على (الهوية) لتنصير البلاد والعباد. ولم يقف الفعل العنصري التعصبي عند هذا الحد، بل انتقل ليأخذ بعده الاجتماعي عن طريق التفريق بين أبناء الوطن الواحد، بممارسة سياسة الفصل العنصري بين العرب والبربر. وهي السياسة التي بدأت في الجزائر ونضجت في المغرب، ومورست في موريتانيا. ففي عام 1849، فصلت السلطات الفرنسية منطقة القبائل الصغرى عن بقية البلاد، ثم قام الجنرال (بيجو) بانشاء إدارة مستقلة في منطقة القبائل الكبرى عام 1853، في محاولة لعزل البربر عن بقية أنحاء البلاد، وعن اخوانهم العرب المسلمين،واخضع المنطقة إلى نظام اداري وقضائي خاص بها، وانشأ (مجالس الجماعات البربرية) التي كانت تدير شؤون القبائل(7)، والحقت السلطات الفرنسية هذا الفعل، بإصدار القرارات التي تخرج هذه المناطق من نطاق القضاء الإسلامي، ومهدت للإرساليات التبشيرية للعمل فيها ونشر دعواتها المزيفة للحقائق التاريخية عن ما دعته الأصول الأوروبية المسيحية للبربر!! وان العروبة والإسلام دخيلان عليهم!!. وفي ضوء هذه الإجراءات توهم الجنرال بيجو عندما صرح:

«أن أيام الإسلام الأخيرة في الجزائر قد ماتت ولن يكون في الجزائر كلها بعد عشرين عاماً من إله يُعبد سوى المسيح»(8)!!.

وكل ذلك من أجل التمهيد لعملية (الإدماج) التي أرادها الفرنسيون من الجزائر، ومحاولة ربطها بما يسمى (العائلة الفرنسية) واعتبارها (ملكية فرنسية)، وذلك بموجب قرارها المعروف (سناتوس كونسلت Senatos consult) الذي نص على «ان جميع الجزائريين هم رعايا فرنسيون ويحق لهم الحصول على الجنسية الفرنسية شريطة ان يتنازلوا عن الاحتكام إلى قانون الأحوال الشخصية الإسلامي»، وقد فشل القرار في جذب الجزائريين الذين تمسكوا بدينهم ووطنيتهم وانتمائهم الثقافي ولم يتجاوز من حصل على الجنسية وبعد ما يقارب التسعين عاماً سوى (2500) شخصحتى عام 1919(9).

استمرت السلطات الفرنسية وبدعم وإسناد مؤسسات الدولة الفرنسية كافة، في محاولاتها للقضاء على اللغة العربية والدين الإسلامي. فعندما أصدر رئيس الوزراء الفرنسي قانون 8 آذار/مارس 1938 لوضع العقبات في وجه تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، هبت جمعية العلماء المسلمينالجزائريين بزعامة عبد الحميد بن باديس لمواجهة هذا القرار / القانون، وأكد بن باديس «… واننا نعلن لخصوم الإسلام والعربية اننا عقدنا العزم على المقاومة المشروعة …» وقبل وفاته (1940) هتف يقول: «فاذا هلكت نصيحتي: تحيا الجزائر والعرب»(10).

وطبقت فرنسا وسلطاتها المحتلة، السياسة نفسها في تونس بعد فرض الحماية

– الاحتلال- عامي 1881 و1883. ان السلطات الفرنسية التي حاولت إقصاء اللغة العربية وثقافتها وإحلال اللغة الفرنسية وثقافتها في تونس، اتجهت في سياستها التعليمية في تونس منذ فرض الحماية، «الى محو الروح القومية وذلك بمحاربة اللغة العربية والاستعاضة عنها باللغة الفرنسيةوبتطبيق برامج خاصة لاخراج الناشئة عن قوميتها العربية وقطع الصلة بينها وبين ماضيها وتاريخها لتتمكن من إدماجها في العنصر الفرنسي»(11)، لكن بنود نظام الحماية ورسوخ مؤسسات تونس التعليمية (جامع الزيتونة مثلاً) حال دون الوصول إلى الدرجة الاقصائية للغة العربية كما حصل في الجزائر، فلجأت السلطات إلى سياسة اخرى، حيث شهدت تونس قرارات ومراسيم لا تمس هويتها الثقافية وحسب، وإنما الهوية الوطنية لأفرادها عن طريق ما سمي بسياسة (التجنيس) الفردي والجماعي بالقرارات الصادرة أعوام 1887 و1897 و1889 و1914 التي تعطي تسهيلات للتونسي الراغب في الحصول على الجنسية الفرنسية.

وفي عام 1923 صدر بتونس «قانون التجنيس» الذي رغب التونسيين في تعويض جنسيتهم بالجنسية الفرنسية وواعداً اياهم بالتمتع بالامتيازات نفسها التي يتمتع بها الفرنسيون، وكان «اعلان وتنفيذ هذا القانون، الاجهاز على الذات الوطنية والشخصية العربية الإسلامية لتونس بشكلقانوني لاتمام عملية الالحاق المفروض بالقوة حتى ذلك الوقت»(12). وكما ارتبط مفهوم «الإدماج» في الجزائر بقرارات ومراسيم استعمارية، كذلك ارتبط (التجنيس) في تونس بإصدار مراسيم تقنن وتنظم العملية وكل ذلك «من أجل ان يخلق –المحتل- شرخاً بالوحدة الوطنية للشعبالتونسي»(13).

وفي موريتانيا التي فرضت فرنسا حمايتها عليها عام 1903، اتبعت الأساليب نفسها التي مارستها في الجزائر وتونس في المجال الثقافي والاجتماعي، فقد عملت السلطات الفرنسية على محاربة اللغة العربية وثقافتها ومؤسسساتها الدينية والثقافية البسيطة (المحضرة)، وفرضت اللغة الفرنسية وثقافتها عن طريق المدارس التي انشأتها، وبتشجيع النزعات القبلية والطائفية بين الطرق الصوفية، واثارة الحساسيات العرقية (عرب – بربر – زنوج) لتفكيك المجتمع وإضعافه. كما حالت بين موريتانيا ومحيطها المغاربي والعربي.

ومن الجدير بالذكر، ان هذا الفعل الاستعماري الخبيث، والمدعوم بكل الإمكانات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية والكنسية، لم يستطع القضاء (طوال سنوات الاحتلال وسياسته) على هويتهم، لا بل واجه مقاومة ضارية في البلدان الثلاثة، وكما سيحصل في المغرب من أجل الدفاع عن دينهم الإسلامي ولغتهم العربية، وتمسكهم بتاريخهم العربي وقوة اعتزازهم بالانتساب إلى انتمائهم الوطني والديني والعربي، وما الثورات والانتفاضات التي قامت في الجزائر بخاصة وطوال القرن التاسع عشر، وفي مناطق البربر (القبائل) إلا شاهد على التمسك بوحدة النسيج الاجتماعي، والاعتزاز بالوطن وهويته ضد محاولات العزل الاصطناعي.

وفي عام 1912، فرضت فرنسا حمايتها – احتلالها – على المغرب، واتبعت السياسة التعصبية بشكل أكبر بعدوانها على (الهوية) الوطنية لابناء البلاد، والتي عرفت بـ (السياسة البربرية).

الصفحات