أنت هنا

قراءة كتاب دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر

دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر

كتاب "دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر " ، تأليف د. محمد علي داهش ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

إبان الحرب العالمية الثانية

أصبحت أقطار المغرب العربي إبان الحرب العالمية الثانية ساحة للصراع العسكري بين الحلفاء والمحور، وأصبحت فرنسا (حكومة فيشي) تدور في فلك برلين بعد سقوطها بيد الألمان في حزيران 1940، فيما أصبحت قوات فرنسا الحرة (الديغولية) إلى جانب الحلفاء. ومنذ عام 1940 وحتى عام 1943 كانت السلطات الفرنسية المحتلة في أقطار المغرب العربي تابعة لحكومة فيشي الموالية للألمان، ثم استطاعت قوات فرنسا الحرة وبمساندة بريطانية ـ أمريكية السيطرة على الموقف في الأقطار المغاربية منذ عام 1943، وبدأت السلطات الفرنسية الديغولية تستخدم شتى صنوف القمع والإرهاب والاعتقال بحق الشعب وقواه الوطنية متهمة إياه بموالاة الألمان أو التعاون معهم، وقادت تلك السياسة القمعية إلى هجرة العديد من قادة الحركات الوطنية ومناضليها إلى الخارج لمواصلة النضال الوطني / المغاربي.

وفي الداخل المغاربي، شهدت أقطار المغرب العربي تطورات سياسة واقتصادية وثقافية واجتماعية(60)، تركت آثارها في بلورة موقف وطني ومغاربي جديد، فقد ازداد تصلب القوى الوطنية في مطاليبها الاستقلالية التي أصبحت هدفاً لا رجعة عنه(61). فيما انتقل مركز الثقل في الاتجاه السياسي الوحدوي المغاربي من الداخل إلى الخارج، وأصبحت برلين ودمشق ثم القاهرة، مراكز رئيسة للنضال المغاربي، إذ استثمر الاتجاه السياسي المغاربي الوجود الاجتماعي لأبناء المغرب العربي في أوربا، وارتكز على برلين وباريس الفيشية لتحقيق أهدافه. فقد وصل برلين أثناء الحرب عدد من قادة الحركات الوطنية ومناضليها في المغرب العربي وحضروا بدعوة من الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين، المؤتمر الذي عقد في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1943 بمناسبة ذكرى وعد بلفور المشؤوم. وفي ذلك المؤتمر التقى القادة المغاربة بالقادة المشارقة، وبدأت المشكلات الوطنية والقومية تطرح على بساط البحث. وبحكم أسبقية الوجود القيادي التونسي في العاصمة برلين، فقد تولى التونسيون العمل العلني والتحدث باسم الأقطار المغاربية مع حكومة ألمانيا وحكومة فيشي الفرنسية، وشكل القادة التونسيون تنظيماً سياسياً مغاربياً عُرف بأسم «هيئة الحزب الوطني المغربي»، وتوزع نشاطه بين برلين وباريس، ومن خلاله تمت معالجة الكثير من المشكلات التي تهتم بالمهاجرين من الأقطار المغاربية من عمال وطلبة وجنود وأسرى. وانشأ الحزب جريدة ناطقة بلسان أبناء المغرب العربي أطلق عليها اسم «المغرب العربي»، كما أطلق على مركز عملهم اسم «مكتب المغرب العربي». ومنذ تلك الفترة بدأ الاتجاه السياسي الوحدوي في النضال المغاربي يأخذ بعده القومي إلى جانب البعد الإقليمي (المغاربي)، ونتلمس هذا الاتجاه في العدد الأول من جريدة (المغرب العربي) الصادر في 16شباط / فبراير 1945، حيث الدعوة إلى «وحدة العملالمغاربي» وإلى العمل على «تحقيق وحدة الوطن العربي الصحيحة من خليج العرب إلى المحيط الأطلسي»(62) ، فيما أكدت في عددها الثاني الصادر في 14 آذار / مارس 1945، الاتجاه المغاربي والعربي في التحرير والاستقلال والوحدة، وعدته الهدف الأسمى للكفاح الموحد حيث قالت«… وليكن هدفنا في الكفاح هو تحرير المغرب العربي واستقلاله وتوحيد أجزائه..» مثلما أكدت الارتباط بالوطن العربي «لأن تحقيق سعادة أبناء المغرب العربي» لا يكون إلا «بالارتباط بالوطن العربي ضمن الوحدة العربية الشاملة»(63).

إن ربط القضية المغاربية بالقضية العربية عموماً والتفاعل والتلاحم معها لم يكن وليد ظروف الحرب العالمية الثانية وما قبلها، أو تعلقاً بالاتجاهات السياسية الوحدوية للقوى الشعبية والرسمية في المشرق العربي(64)، والتي توجهها على الصعيد الرسمي (مؤتمر الإسكندرية) عام 1944، الذي وضعت فيه الأسس لقيام جامعة الدول العربية التي اهتمت بقضايا المغرب العربي اهتماماً كبيراً فيما بعد. فقد كان لأبناء المغرب العربي إحساسهم الوجداني العميق بعروبتهم وإسلامهم، وكان لهم ارتباطهم الوثيق بالمفكرين والسياسيين من المشارقة أمثال محمد عبده وشكيب أرسلان منذ مطلع القرن العشرين، وكانت لهم مواقفهم القومية الواضحة من قضية فلسطين في مرحلة ما بين الحربين. كما كان لهم زياراتهم المستمرة للمشرق العربي والتفاعل مع قضاياه. وعليه، لم يكن ربط القضية المغاربية بالقضية العربية تعبيراً عن موقف آني أو ظرفي، بل هو تأكيد للتواصل في الانتماء القومي والديني والحضاري والنضالي أيضاً. وعلى هذا الأساس نؤيد ما ذهب إليه مالكي [«… لم يحدث أن انفصل وعي الانتماء إلى العرق العربي عن التمسك بالإسلام ديناً وعقيدة…(و) ظل الولاء للإطارين (عروبة ـ إسلام) متوازياً ومتوازناً، بل قليلة هي اللحظات التي اختل فيها الانتماء إلى صالح الإسلام على حساب العروبة أو إلى هذه الأخيرة على حساب الإسلام … (و) ظل الاقتناع راسخاً بعدم وجود تناقض بين النضال الوطني القطري والنزوع القومي الشامل سواء في أثناء الكفاح من أجل السيادة الوطنية أو بعد استقلال الأقطار المغاربية والدعوة إلى إعادة بنائها»](65).

الصفحات