قراءة كتاب الإسلام في شعر فيكتور هيجو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام في شعر فيكتور هيجو

الإسلام في شعر فيكتور هيجو

كتاب " الإسلام في شعر فيكتور هيجو " ، تأليف هيجاء قحطان احمد الحمداني ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

طفولة بلا دين

يتحتم علينا التأكيد على ان فيكتور هيجو لم يخضع لأي تأثير ديني لامن والده ولا من والدته : فوالدته المتأثرة بالمدرسة الفولتيرية والتي تربت في مؤسسة علمانية، كانت تفتقر بالتالي الى كل احساس ديني، ووالده كان رجلاً ثورياً ومشغولاً بوظيفته العسكرية التي كانت ترقيه من درجة الى اخرى. لذا كان اهتمام الابوين قليلا جداً بالدين ، وبالتالي فقد اهملا تعليم اولادهما مبادئ المسيحية. لقد تزوج الابوان مدنياً حسب مايرويه لنا فيكتور هيجو نفسه: "لم تكن الزوجة تهتم كثيراً بمباركة الراهب ، والزوج لم يكن يهتم بالامر اصلاً."[33]

منذ طفولته، شهد فيكتور هيجو سوء تفاهم ابويه وانفصالهما، وقد حرم هذا الانفصال الصغير هيجو من حنان كان يحتاجه وشعور بامان دائم، كان تارة عند امه وتارة عند ابيه. لم يكن فيكتور هيجو معمداً، فكل جهد بذل من اجل ايجاد وثيقة التعميد كان ينتهي بالفشل، وهذا يبرهن عدم اكتراث الابوين لتعاليم المسيحية. وقد اخذت الام على عاتقها مهمة تربية اطفالها، حيث كانت تهتم بشكل كامل تقريباً بترتيب تفاصيل تربية ابنائها، حتى بعد الانفصال الكامل عن زوجها عام 1818. اذن ففيكتور هيجو، لوجوده الدائم معها لم يخضع سوى لتأثير تلك التي "افسدت تقريباً كل احساس ديني كان يمكن ان يمتلكه"[34]، بالمقابل فالاب هيجو، لخوفه من تأثير الام ولقلقه حول دراسة اطفاله، قرر عام 1811 وعام 1814 ان يضع الطفل فيكتور مع اخيه اوجين في مدرسة داخلية. وعلى العكس، فالام المتشبعة بأفكار القرن الثامن عشر تركت لهم حرية اكثر في الدراسة والتفكير. وقد دون لنا هيجو فيما بعد هذه الشهادة: "السيدة هيجو... كانت من انصار الملكية، عكس زوجها ، ولكنها دائماً ايضاً من انصار الفولتيرية عكس والدها. لقد كان لديها اعتقادها الخاص بها ، والتي كونت نصفه من الدين ونصفه الاخر من الفلسفة. وكانت ترغب ان يكون لاولادها ايضاً دينهم الخاص بهم حسبما تكونها لهم تجارب الحياة والتفكير. كانت تفضل اقترابهم الى الضمير اكثر من تعاليم المسيحية"[35]. ومثلما هيأت الام صوفي تريبوشي الارضية لاولادها، تابع فيكتور هيجو بتبني تفكيره الخاص. ويروي لنا هيجو ذكرياته ، عندما تكلم (دون بازيل)[(] الى السيدة هيجو حول جعل اولادها يتناولون القداس. لقد رفضته بقوة ، ولكن عندما اخبرها بأن هذا قانون لجميع التلاميذ الكاثوليك، اعلنت السيدة هيجو بأن اطفالها بروتستانت ، وذلك لتقطع كل نقاش في هذا الموضوع من جهة ولكي تمنع عن اطفالها صعوبة اداء الواجبات الدينية الكاثوليكية. مع ذلك كان فيكتور واوجين يتصرفان كباقي التلاميذ، كانا يستمعان الى القداس ولكنهما لم يكونا يستجيبان للصلوات، ولايذهبان الى الاعتراف ولا يتناولان القربان. ومنذ عودتهما الى فيونتين في ربيع 1812 تابع اوجين وفيكتور تربية توفر لهما حرية اكبر عندما كانت قراءاتهما متعددة عند الرجل الطيب رويال ، وذلك بعد ان انذروا في وقت ما من دخول مدرسة نابليون. ويروي لنا فيكتور هيجو قائلاً: "كنت استغرق وقتاً طويلاً في المكتبة، لقد قضيت طفولتي وانا منكب على الكتب"[36]؛ كان الاولاد يقرأون كل ماتقع عليه ايديهم. وعندما كان يثيرهم كتاب ما كانوا يقضون احياناً ساعات كاملة منشغلين به. وهكذا فقد اكتشفوا التوراة، وكتّاباً مثل روسو، فولتير، وديدرو. وبما انه كان يحلم بالمسرح منذ طفولته كما يشير الى ذلك (فلوت)، فقد قرأ مسرحية "محمد" لفولتير[37]. ومن الممكن اما ان تكون هذه اول مرة يعرف منها هيجو نبي الاسلام ، ولكنها لم تكن دون شك اولى قراءاته عن الاسلام ، لان تلك المسرحية تشوه صورة نبي الاسلام ، بيد ان الشاعر كتب في عمر السادسة عشر قصيدة وصف فيها النبي محمد (ص) بالنبي "المريح الهادئ":

"فأعلم اذاً (التعلم هو طراز الحياة الجديدة،

خصوصاً ياسيدي عندما نتكلم بعقلانية)

بأن محمد، هذا النبي المريح الهادئ،

عاش بعد جوبتير الملحد.

ستعلم عندئذٍ بأنك لاتعرف شيئاً"[38]

سبتمبر 1818

وفيما بعد، اي بعد مسرحية فولتير هذه ، اشاد فولتير وديدرو بالاسلام في كتاباتهم[39].

ولاننسى بأن فولتير كان يدعو الى الوحدانية[(] والذي سيكون لهيجو اساس تفكيره، وهذا ما سيقرب هيجو من افكار الاسلام.

في عام 1816، استيقظت عبقرية الشاعر عندما دوَّن في دفاتره "اريد ان اكون شاتو بريان او لا أكون". فقد قرأ بأعجاب "عبقرية المسيحية"، ومن الواضح ان هذه القراءة ولدَّت تأثيراً لديه ؛ فقد تكلم شاتو بريان في هذا الكتاب عن الدين بأبيات شعرية اثارت اعجاب الشعراء كثيراً ، واقنعتهم بأهمية الديانة الكاثوليكية في حياة الشعراء ؛ وقد اكد شاتو بريان ايضاً على روح المسيحي الذي يستطيع تحمل كل شيء لسبب بسيط هو ايمانه ، وشيئاً فشيئاً تقبل فيكتور هيجو هذا الايمان " الذي كان يمتزج مع عمران الكاتدرائيات والصور العظيمة للتوراة، وانتقل من الملكية الفولتيرية لوالدته الى الملكية المسيحية لشاتوبريان"[40].

ان ما يمكننا التأكد في هذا العمر الصغير لهيجو هو ايمانه المطلق بوجود الله. فها هو في عام 1817 يدحض مزاعم احد الملحدين بقوله:

"ايها الفيلسوف التافه! كفرك الغبي

ايمكنه زعزعة ايماننا؟

بإشارتك لنا عن نظامك السخيف

اتظن ان تؤثر علينا فلا نؤمن الا بك"[41]

بامكاننا الاستنتاج ان غياب كل تربية دينية اثناء طفولته قد سمح لهيجو بأن يقرأ كل شيء دون تعصب لاي جهة ، ولا حتى لأية عقيدة. وبالتالي فهذه القراءة المكثفة وهبته الفرصة للتعرف على الفلسفات وعلى المعتقدات والاديان، وبضمنها الاسلام.

الصفحات