كتاب " الإسلام في شعر فيكتور هيجو " ، تأليف هيجاء قحطان احمد الحمداني ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب الإسلام في شعر فيكتور هيجو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإسلام في شعر فيكتور هيجو
تأثير روسو
كان هيجو خلال طفولته كان هيجو قد قرأ كثيراً عن فولتير وديدرو وروسو، ونحن نركز هنا على روسو لاننا نعلم المكانة التي يحتلها (مبدأ الطبيعة) عند الشعراء الرومانسيين. ومن المهم هنا ان نعرف تأثير روسو على شاعرنا والعلاقة بين هذا التأثير ودين الاسلام.
كان روسو يدعو الى الديانة الطبيعية، وتوصل الى نتائج بارعة حول الدين من خلال الطبيعة: وجود الله، الاخرة، العناية الالهية.[52]
ان هذا يعني ان "الطبيعة اصبحت وسيلة للغريزة الاخلاقية، قادرة على ان تصبح لوحدها ديانة كاملة"[53]. ان كتًّاباً مثل روسو أرتقوا الى فكرة الله من خلال حبهم للطبيعة، ان طريقة التفكير هذه ستساعدنا على استيعاب افضل لتفكير الشاعر.
ولد حب الطبيعة عند هيجو منذ طفولته في ايام الفيونتين، الحديقة الرائعة والعصافير والازهار والحشرات التي تمثل جمال الكون، كلها علمت هيجو الاصغاء الى "الترانيم الكونية وانشودة الخليقة"[54] مرتقياً بذلك الى الاله العظيم الحاضر في كل مكان.
لقد فتحت "هواجس" روسو الطريق الى "تأملات" هيجو المليئة بالمناظر المهدئة امام شرور العالم.
تمثل الطبيعة بالنسبة لهيجو وسيلة لامتصاص الهموم والاحزان، ففي لحظات الحزن كان يهرب الى الطبيعة المطمئنة التي ترتاح لها النفس البشرية ليبدد الكآبة التي تخنقه، هذا يجعلنا نتذكر موت ابنته ليوبولدين. عندما كان الاب يتأمل الطبيعة ليعزي ذاته، فهو يعرف مسبقاً ان الطبيعة كما يذكر ذلك الناقد روبرت بويل Robert Boyel "تطفئ الشرور"[55]:
"الان وبما اني، من الحداد الذي اظلم روحي
اخرج شاحباً ومنتظراً،
واني اشعر بهدوء الطبيعة العظيمة
الذي يدخل قلبي؛..."[56]
بالاضافة الى ان "الطبيعة مُهذِّبة، فهي تزرع عندنا المعرفة الحقيقية بالله"[57]. هذه الطبيعة بالنسبة لهيجو تحثه على البحث عن الله:
"ايتها الاماكن الجميلة، انا اتأملك بعين ملأى بالدموع.
جئت ابحث عن الله في بقايا المعبد"[58]
"ايتها الاشجار ترونني اهرب من الانسان وابحث عن الله"[59]
ثم تقربه من خالقه:
"الان وانا اشعر بالسكون امام هذه المناظر المقدسة، سهول، غابات، صخور، وديان، انهار فضية، متأملاً ضعفي ، ومتأملاً معجزاتك،استعيد ادراكي امام هذا العالم الشاسع ؛ جئت اليك ياالهي! معترفاً بأنك طيب، رحيم، حليم، ودود،..."[60]
في هذه الوحدة امام مناظر الطبيعة، يصغي هيجو الى صوت الله:
"ننمو على الضفاف، ننمو في الغابات،......
رؤية السماء عن قرب،......
انه صوت عميق،عزف كوني...
فوق محيط السماء"[61]......
بتكامل عظيم كهذا، مدركاً به جوهر الاشياء، توصل هيجو الى معرفة الله من خلال الطبيعة، ولكن الطبيعة لا تسمح بالمعرفة الكاملة لله. هناك حدود دائماً؛ انه نوع من "لطف الايحاء". الاسئلة التي تطرح نفسها على فكر الانسان لاتعطي جواباً شافيا امام الطبيعة الغير مكترثة والصامتة. لماذا يمنع الله الطبيعة من توضيح ذلك؟ هيجو لايعرف، انه يلاحظ فقط وينتهي تفكيره الى خضوع شبيه بالفكر الاسلامي:[62]
"بما ان الله اراد ذلك، فكل شيء يسير الى افضل! ولو زاد وضوحاً ربما اعمى اعيننا.......
دون قياس الموج، ماذا كان سيكون حالنا
لو ان الله الحي في علياء خلوده،سكب الحقيقة فوق الادراك الانساني؟
الاناء صغير جداً ليستوعب كل شيء
قطرة واحدة تكفي ان تتناولها كل روح
حتى وان كانت ممتزجة بالظلال!..."[63][(]
لقد بدا مقتنعاً بأن العقل الانساني ضعيف جداً ليظفر بتجلي الحقيقة العظمى.
وعلى اختلاف الرأي مع بوشانان الذي يظن بأن الطبيعة هي التي اوحت لهيجو وجود الله وبأنه لايرتقي، مثل روسو، من الطبيعة الى معرفة الله، فأننا نشاطر الرأي مع كلود جيلي بأن هيجو بقى وفياً لهذه الديانة الطبيعية. ولكننا نضيف الى ذلك بأن افكار المفكر هيجو تطورت كثيراً خلال سني حياته مقترباً في نقاط عدة مع الاسلام، ونضرب مثالاً على ذلك، الوحدانية[((]Ý: ديوان اناشيد وموشحات يعلن لنا بوضوح وحدانية الله عندما يؤكد بأن "كل شيء يخضع لقانون ثابت"[64]، وان الله حاضر في كل مكان في الطبيعة. وبقراءتنا صفحات شعره، نتبين بسهولة مدى تشبعه بالفكرة:
"اله واحد! اله حقيقي! لغز واحد! روح واحدة"[65]
ومن المعروف بأن الوحدانية هي الأساس الجوهري للدين الإسلامي، فالطبيعة، كما يؤكد القرآن الكريم هي شاهد حقيقي بأن الله واحد :" ام من جعل الارض قرارا وجعل خلالها انهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أأله مع الله بل اكثرهم لا يعلمون".[66]
وامام الطبيعة ، موجهاً كلامه الى الله يبني هيجو علاقة طيبة مع خالقه؛ فهو يكلمه، يرجوه بشكل مباشر دون وساطة من راهب، او دون ان يكون بالضرورة في الكنيسة:
"يالهي! احفظني، واحفظ اولئك الذين احبهم،
اخوة، اباء، اصدقاء، وحتى اعدائي
منتصرين على الشر،"[67]
لقد وجد المفكر هيجو في الطبيعة الاثار التي تركها الله تعالى ليحث الانسان على التفكير والبحث في عظمته سبحانه. وبالمقابل بقي هيجو لسنوات يبحث عن حقيقة الله والعالم، ويشهد على ذلك ديوانه "الله".
على هذا الاساس فهم فيكتور هيجو الطبيعة[(]، لم يكن الهانياً او حلولياً كما اراد بذلك بوشانان وغيره من الباحثين الا عند حدود معينة.[((]Ý
ومن المهم ان نذكر بأن الطبيعة التي دعا اليها روسو وبحثها بعمق، اثمرت بشكل واسع عن بزوغ تفكيره الديني. فهو يفكر بأن الطبيعة هي افضل مهذب للروح. في الابيات الاتية، نصغي الى الطبيعة نفسها تتكلم:
"سوف لن تهبه سوى الافكار الطيبة،
ستحول بريق المبادئ الى النور
سيكون الله مرئياً في عينيه الساحرتين؛"[68]
من هنا نفهم ان تأثير الطبيعة قد ولَّد عند الشاعر هذا الايمان الكبير الذي سيساعدنا على فهم تفكيره والروابط بينه وبين بعض الافكار الاسلامية.