أنت هنا

قراءة كتاب تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

كتاب " تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية) " ، تأليف عبده مختار ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

(1) قراءة أخرى في أحداث دارفور

الأوضاع في دارفور تحتاج إلى منهـج جديد

هذا المقال كتبه الكاتب في صحيفة الرأي العام السياسية اليومية التي تصدر في الخرطوم وذلك بتاريخ 23 أغسطس 2002. وهو تعليقا على إرسال الحكومة السودانية لضابط برتبة فريق (محمد أحمد مصطفى الدابي) لـ "حسم مشكلة دارفور". فرأى الكاتب أن هذه العقلية الأمنية وهذا المنهج العسكري سوف يفجر مشكلة دارفور لأنه من المفترض إرسال العلماء والخبراء والباحثين وليس عسكري للتعامل مع المشكلة. وبالفعل تحققت نبوءة الكاتب في هذا المقال. فبعد بضعة أشهر من نشر هذا المقال انفجرت المشكلة في شكل حرب تحولت إلى كارثة إنسانية وأزمة وتم تدويلها وتعقدت، ولم تستطع الحكومة "حسمها" حتى تاريخ نشر هذا الكتاب (2013) – فإلى المقال:……...

لعل القارئ يذكر الضابط مصطفى الدابي الذي كان قد أرسلته الحكومة المركزية لدارفور لمعالجة مشكلة "النهب المسلح". وقد ذهب الضابط إلى هناك بصلاحيات رئيس جمهورية لحسم النهب المسلح. بعد فترة عاد الدابي بعد أن أدى مهمته (بنجاح) حسب تقدير الحكومة لأنها قامت بتكريمه.. لكن الواقع يقول أن الدابي – وبالتالي الحكومة المركزية – لم تنجح في "حسم" النهب المسلح. والدليل على ذلك أن الظاهرة تصاعدت بصورة أعنف من ما سبق..

لقد فشلت الحكومة في حسم النهب المسلح لأنها تعاملت مع النتائج وتجاهلت الأسباب – وهذا يعني خطأً منهجياً.. وفشلت الحكومة لأنها أرسلت قوة عسكرية وأرسلت ضابطاً دون أن ترسل معه العلماء والباحثين والتكنوقراط!! وسوف تستمر المشكلة في الاستفحال ويستعصي الحل إذا استمرت الحكومة في التعامل مع هذه المشكلة بالعقلية الأمنية.

إن دارفور هي صورة مصغرة لمشكلات الدول المتخلفة. وواضح من الواقع أن (الثورة) لم تصل لأطراف البلاد بعـد.. وأن الريف أصبح يعاني المزيد من مشكلات التخلف ودليلنا على ذلك هذه الهجرة الكثيفة من الولايات إلى الخرطوم.. وإذا استمر حال الولايات على ما هو عليه فسوف تواجه الحكومة ضغطاً سكانيا رهيبا في العاصمة خلال العامين القادمين.. ليس هناك احصاءات دقيقة متوافرة حول حجم ومعدل هذه الهجرة لكنها أصبحت منظورة وواقعاً ملموساً. وإذا استمر الواقع في ولايات دارفور على ما هو عليه فإن طريق الإنقاذ الغربي عندما يكتمل سيكون قد زاد من معدل هذه الهجرة لأن الطريق إلى الخرطوم سوف يكون أسهل ما لم يحدث تغيير جذري (ثورة تنموية حقيقية) في دارفور..

أنا لستُ متشائماً ولا ناقداً للحكومة، ولكنني أنبه إلى خطورة الأوضاع في الولايات. ولعل حالة دارفور سوف تتمدد إلى ولايات أخرى. وأضرب لكم مثلاً بمدينة الأبيض (عاصمة الصمغ العربي!) التي تسير فيها الأوضاع إلى الوراء كل عام.هذه المدينة التي تشتمل عى نحو ثمانين حياً سكنياً ويسكنها قرابة النصف مليون نسمة نزح معظم أهلها (الأصليين) إلى العاصمة وسكنها سكان جدد جاءوا من الريف. فعندما تفتحت أعيننا على الحياة في هذه المدينة في ستينات وسبعينات القرن العشرين كان بمدينة الأبيض أكبر جالية أجنبية بعض العاصمة لدرجة أن بها قنصلية مصرية وبها سوريون وأغاريق وغيرهم. في الثمانينات هجرها الأجانب، وفي التسعينات بدأ أهلها يجرونها (مكرهين)!

فأوضاع دارفور سوف تنتقل لكردفان وربما إلى الجزيرة بعد أن أهملت الحكومة مشروع الجزيرة وبدأت تفكر في بيعه على الرغم من أنه شريان الحياة للاقتصاد السوداني.

ومشروع الجزيرة هذا بدلاً من أن يكون نموذجاً تنقله الحكومة إلى كل ولايات السودان ليعم الرخاء والاستقرار أصبح الآن قصة مؤلمة حتى صار عُـرضة للخصخصة. والغريب في الأمر نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي قمة النظام الصناعي لا تتواني في دعم القطاع الزراعي الذي تؤمِّـن الحياة لأمريكا ولشعوب أخرى ولهذا دعمت الحكومة الأمريكية النهضة الزراعية قد بمبلغ بلغ رقماً فلكياً حيث وصل إلى 180 مليار دولار. وعلى الرغم من أنها دولة صناعية اهتمت بالزراعة لأنها تدرك الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع الاقتصادي الحي.. مع ملاحظة أن الحكومة السودانية عندما دعمت مشروع الجزيرة (جزئياً) في الثلاث سنوات الأخيرة {2000 – 2002) بدأ المشروع في الانتعاش نسبياً. هذا يعني أن المشروع يحتاج للحكومة لتأهيل البنية التحتية فيه. وما قيل عن مشروع الجزيرة ينطبق على مشروعات النيل الأبيض ومشروعات أخرى كثيرة في غرب السودان السودان – مثل القطن في جبال النوبة ومشاريع هبيلة والأسمنت في السميح، ومشروع أبو حبل، والفواكه والسياحة في جبل مرة، والثروة الحيوانية وغيرها تحتاج لاستثمارات لاستغلال هذه الثروات حتى يستقر المواطن في منطقته (وينتهي الصراع حول الموارد) وحتى لا ينزح إلى المدن الأخرى ويهيم على وجهه في شوارعها لا يعرف حرفة أو مهنة ولا يمكل غير امكانيات هوامش العمل التي تعرضه لسلطات النظام العام فيكون عُـرضة للمطاردة (الكشة) وتضيع كرامته وتضيع معه أسرة يعولها!!

لقد تدهورت الأوضاع في الولايات بصورة مخيفة فهناك مدارس في الغرب تم إغلاقها تماماً لانعدام المعلم والكتاب ومعنيات الدراسة وبالتالي زاد الفاقد التربوي. لذلك جاء الانحراف والجريمة والنهب المسلح وتهديد النسيج الاجتماع. وأصبحت العاصمة هي الملاذ!!

ينبغي أن تشكل أحداث دارفور وقفة للحكومة لتبدأ اهتماما جديداً بالريف فكل المصانع والمشروعات وفرص العمل والخدمات هي في العاصمة. وإذا استمر الحال كما هو عليه الآن (عام 2002) فسوف ينتقل معظم السودان إلى الخرطوم قريبــاً..

الصفحات