أنت هنا

قراءة كتاب تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم

تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم

كتاب " تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم " ، تأليف د . نزار أباظة ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر:
الصفحة رقم: 4

استخدمت قريش لحرب النبي والمسلمين غير العذاب والأذى أفانين شتى؛ فجعلت تمكر بهم على نحو من حرب نفسية؛ فتستهزئ برسول الله، تطلب منه المعجزات، وتسخر بما جاء به، وتحتقر الضعفاء من المسلمين.. وفرضت عليهم حصاراً شديداً لئلا يفلتوا من مكة، فلما تسللوا لواذاً إلى الحبشة حاولوا إعادتهم فما أفلحوا.. ولما تعاظم أمر الإسلام شنّت عليهم حرباً إعلامية، فأخذت تحذر القبائل في المواسم أن يتبعوا رسول الله ورموه بالكذب والسحر والشعر، ولم يكن يأتي مكة امرؤ من الآفاق إلا وتقعد له تحول بينه وبين الوصول إلى النبي.. فما آمن له من العرب إلا أفراد قليلون آنذاك. وكان آخرَ ما تمخض عنه مكرُها حربٌ اقتصادية واجتماعية بآن معاً فتحالفت قريش على آل النبي؛ ألا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم، وألا يقبلوا منهم صلحاً أبداً، وألا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا محمد بن عبد الله للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق، علقوها في جوف الكعبة تعظيماً لما اتفقوا عليه.. فأدت هذه المقاطعة إلى شدة وجهد خلال ثلاث سنوات حتى أكل آلُ البيت الجلود وورق الشجر من شدة الجوع[2].

وضاقت مكة على رسول الله، ويئس من قومه أن يدخل الإيمان في قلوبهم خلال تلك المرحلة، وطمح بآماله إلى ما حول البلد الحرام، فارتحل إلى الطائف يقوم بواجب الدعوة فلقي فيها منكراً من القول وزوراً.. ورفعت ثقيف في وجهه نار العداوة السافرة، وأخرجوه من بلدتهم مطروداً بالحجارة والاستهزاء والتهديد. فعاد من الطائف عوداً غير حميد، ولكنه بلّغ الرسالة على خير وجه[3].

كل ذلك والرسول صابر محتسب، لا يني يقوم بأمر ربه، وينتظر نصره الذي وعده بإيمان مطلق.. ويدعو لقومه بالخير، ولا يدعو عليهم أبداً.. "اللهم اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون"[4].

ولم يفكر برفع سلاح في وجوههم، ولم يأمر به.. ذلك أن مرحلة الجهاد هذه كانت مرحلة صبر، ولم ينزل أمر السماء بالمجابهة بعد.

ولعل رسول الله جعل يتفكر؛ كيف سيكون النصر الآتي ولا بد؟! ذلك أنّ السبل كلها أغلقت في وجهه تماماً..

اللهم إليك أشكو ضعف قوتي

وقلّة حيلتي

وهواني على الناس

يا أرحم الراحمين

أنت رب المستضعفين.. وأنت ربي

إلى من تكلني؟

إلى بعيد يتجهمني!

أم إلى عدوٍّ ملَّكتَه أمري!

إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي!

ولكن عافيتك هي أوسع لي

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات

وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة

من أن تنزل بي غضبك

أو يحلّ علي سخطك

لك العتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك

أدى رسول الله واجب الدعوة إذن.. وبقي ينتظر ما يأمره به ربه، وأحسَّ أن المرحلة التي هو فيها أوشكت على النهاية.. ولا بد بعد اليوم من أحداث يؤدب الله بها قريشاً؛ فقد وصل بها الكفر والجبروت ومحاربة الله إلى النهايات[5].

عند ذلك وفي الموسم من السنة الحادية عشرة من نزول الوحي وافى الحج رجال من يثرب، التقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مِنى عند العقبة فصدقوا به، وعلموا أنه النبي المنتظر الذي كانت يهود تبشر به في مدينتهم، فآمنوا به، وكانت بيعة العقبة الأولى، وحملوا خبره إلى قومهم حين عادوا ومعهم مصعب بن عمير داعياً ومعلماً.. وتشوق ناس منهم إلى لقائه، فحضروه في السنة التالية ودعوه إلى الانتقال إليهم لنصرته وللقيام بدعوته وكانت تلك بيعة العقبة الثانية.

كان ذلك في غفلة من عيون قريش وحصارها الذي لم يفتر في ترصدها لرسول الله.. إلا أن رائحة ذلك اللقاء الأخير أخذ يزكم أنوف أهل الشرك الموتورين الذين كانوا يحقدون على الإيمان، يريدون أن يطفئوه بأفواههم كما يفعلون في كل مكان من الدنيا..

في اللحظة الأخيرة من البيعة المباركة في ذلك الليل، وقبل أن يفارق القوم نبي الله صاح صائح المشركين في الحجاج ينعق كالغراب الأبلق:

-يا أهل المنازل.. يا أهل المنازل.. هل لكم في محمد والصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم؟

واستاء اليثربيون كل الاستياء، فالقوم يصادرون الحق، ويقفون في وجه الإرادة الإلهية وحريات الناس، وكانت أيديهم ما تزال تعبق برائحة البيعة التي رضي الله عنها ، وقلوبهم أخذت تخفق بإيمان يزلزل الجبال؛ فقالوا للنبي:

-والله الذي بعثك بالحق يا رسول الله.. إن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا.

ولعل وجه النبي تجهم، لم يعجبه هذا الكلام، وإنما قال يرشد القوم:

-لم نؤمر بهذا.. ولكن ارجعوا إلى رحالكم[6].

ما كان يريد رسول الله في تلك المرحلة المتقدمة من الدعوة والجهاد أن يعنف على أحد، إذ كان جهاده وجهاد أصحابه آنذاك دعوة باللسان دون إذن بقتال..

كانت بعثته رحمة للعالمين.. يدعو إلى الله بالحكمة كما أمره، وبالموعظة الحسنة.

صبر على أذى قريش هذه السنوات المتراخية، وهي ماضية في كيده وحربه لا تهدأ ولا تستقر.. وهو يأمر الصحابة دوماً بالصبر والمصابرة حتى يأذن الله لهم بالفرج والنصر الذي لابدّ آتٍ..

وعلى ذلك انتهت هذه المرحلة في مكة على هذا النوع من الجهاد وسوف يقيم النبي الحجة على قريش فيما بعد إذا جابهها المسلمون بالسلاح، لأنها هي البادئة بالظلم والحرب. وسوف ينال زعماؤها المكابرون عقوبتهم العادلة.

وأخيراً فقد كانت هذه المرحلة المكية تمثل حشد الرسول صلى الله عليه وسلم لقوى المسلمين وتدريبهم على التحمل والشدة؛ ليهيئهم إلى المرحلة الثانية من الجهاد هي مرحلة الدفاع عن العقيدة.

لقد ضبط النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين في مكة الضبط الشديد فلم تحدث حادثة مسلحة واحدة، ووضع استراتيجية المرحلة التي نفذت بكل صرامة.. فانتهت بنجاح[7].

الصفحات