كتاب " تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم " ، تأليف د . نزار أباظة ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم
فلما أكثر الناس، واغتمّ عبد الله بن جحش وأصحابه نزل قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [البقرة: 2/217] . وفرّجت الآيات عن عبد الله وأصحابه مما كانوا فيه من الخوف، واطمأنوا. فقبض النبي منهم العير والأسيرين عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان.. وأرسلت قريش في فدائهما.. فتريث الرسول في إطلاقهما حتى رجع سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، وكانا مع السرية، فضلاَّ عنها في الطريق يبحثان عن جملهما الذي يعتقبانه، إذ خشي عليهما النبي أن يقتلهما المشركون.. فلما وصلا سرّح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين.. إلا أنه عرض عليهما الإسلام ورغبهما فيه.. في حين كان المهاجرون مغيظين منهما، لما كان من أذى قريش أول الدعوة ومن نكالها بهم.. فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم قتلهما فأبى، ورحمهما.. ثم أطلقهما، فأسلم الحكم بن كيسان، وحسن إسلامه، وبارح عثمان بن عبد الله إلى مكة، فمات بها كافراً.
وإذ ذاك تساءل عبد الله بن جحش:
-أنطمع يا رسول الله أن نُعطى أجر المجاهدين في خروجنا ذاك؟
فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [البقرة: 2/218] .
وكانت تلك أول غنيمة غنمها المسلمون الفقراء، وأول عمل عسكري.. وأول رسالة مؤلمة لقريش.. كان لها ما بعدها. كما كانت تلك آخر التحركات الممهدة للأعمال العسكرية التي بدأت في غزوة بدر الكبرى.. وبعد هذه السرية نفد صبر قريش، وصعدت من أحقادها لتدخل راية رسول الله منعطفاً جديداً كان له ما بعده.
وكان الصحابة كلهم يدركون أن الحرب التي أخذت إرهاصاتها تتصاعد إنما هي حرب اقتصادية؛ فقد رأى أبو جهل سعد بن معاذ الأنصاري وهو يطوف في مكة حول البيت، فتعرض له بلؤم وقال:
-أراك تطوف بمكة آمناً وقد آويتم الصباة (المسلمين المهاجرين) وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم.. أما والله لولا أنك مع أمية بن خلف ما رجعت إلى أهلك سالماً!
فردّ عليه سعد بتهديد:
-أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه؛ طريقك على المدينة.
وكان كل المسلمين يدركون ما سوف يُجهد قريشاً في حربها الاقتصادية؛ وبقوا يعرفون هذا على امتداد السنوات في المجابهة معها؛ ففيما بعد، على سبيل المثال، آمن ثمامة بن أثال سيّد بني حنيفة في السنة السابعة من الهجرة، فجاء مكة مسلماً فأغاظ قريشاً في طوافه، فأزعجوه وناكروه.. فلما أكثروا عليه قال يهددهم:
-لا والله، لا تأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحقق ثمامة وعيده، وقطع عن مكة حبوبه حتى استغاث أبو سفيان بالنبي، فكتب إلى ثمامة أن يخلِّي بينهم وبين الحمل إلى مكة.. ففعل[12].
ولما هاجت سرية عبد الله حفيظة المشركين، وصمم صناديدهم على إبادة المسلمين في عقر دورهم أنزل الله على رسوله الإذن بالقتال {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (*) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (*) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (*) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ} [البقرة: 2/190-193]، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 9/36] .
ثم نزل قوله تعالى في فرضية الجهاد {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [البقرة: 2/216] .