كتاب " الصحابة الكرام مكانتهم وجهودهم في حفظ السنة النبوية وواجب الأمة نحوهم "، تأليف الدكتور أحمد عطية السعودي ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2013 .
أنت هنا
قراءة كتاب الصحابة الكرام مكانتهم وجهودهم في حفظ السنة النبوية وواجب الأمة نحوهم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الصحابة الكرام مكانتهم وجهودهم في حفظ السنة النبوية وواجب الأمة نحوهم
مكانة الصّحابة في السّنة:
نال الصَّحابة الكرام أسمى مكانة في السُّنة النبويّة، وحازوا أرفع درجات التجلّة والتقدير؛ إذ أفاضتْ عليهم صحبةُ النبيّ ( مِن أنوار النّبوّة وبركاتها ما لم يكنْ لأحبار نبيّ من الأنبياء، حتى صاروا بذلك أفضل البشر بعد الرّسل، وغرفوا من معينه الغزير المتجدّد أخلاقاً كريمة من أخلاقه العظيمة، وجمالاً بهيّاً من جماله الباهر، فقد وصفه مَنْ رآه: "ما رأيتُ شيئاً أحسنَ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنَّ الشمسَ تجري في وجهه، وإذا ضحكَ يتلألأ في الجُدُر"(52).
وغرفوا بياناً يقري العين والأذن من فصاحته وبلاغته، إذ تبوّأ المحلّ الأفضل، والموضع الذي لا يُجهل، في سلامة طبع، وبراعة مَنْزَع، وإيجاز مقطع، قد أوتي جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكم(53).
وقد تجلّت مكانتهم على النحو الآتي:
1- إخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم باصطفائهم، واختيارهم لصحبته الشَّريفة:
عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تبارك تعالى اختارني، واختار لي أصحاباً، فجعل لي منهم وزراء، وأنصاراً، وأصهاراً. فمَنْ سبَّهم فعليه لعنةُ الله والملائكة والنَّاس أجمعين، لا يُقبلُ منه يومَ القيامة صَرْفٌ ولا عَدْل"(54).
2- ثناء النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم وخصّهم بمحبته ودعائه:
وردتْ أحاديث كثيرة في ثناء النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصَّحابة الكرام، والإشادة بفضائلهم(55)، منها: عن أنسٍ رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصارُ يَحْفِرون في غَداةٍ باردة،ٍ فلم يكنْ لهم عبيدٌ يعملون ذلك لهم. فلمّا رأى ما بهم من النّصَب والجوع قال: "اللَّهم إنَّ العيشَ عيشُ الآخرهْ، فاغفر للأنصارِ والمهاجرهْ، فقالوا مُجيبين لهُ:
نحن الذين بايعـوا محمّدا
على الجهادِ ما بقينا أبدا"(56)
* عن عمرو بن العاص رضي الله عنه "أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السَّلاسل، قال: فأتيتُه فقلت: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة. فقلتُ: من الرّجال؟ فقال: أبوها. فقلتُ: ثمَّ مَنْ؟ قال: ثمَّ عمر بن الخطّاب، فعدَّ رجالاً"(57).
* عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استقرِئوا القرآنَ من أربعة: من عبد الله بن مسعود، فبدأ به، وسالم مولى أبي حُذيفة، وأُبَيِّ بنِ كعب، ومُعاذ بنِ جَبل"(58).
* عن عليّ رضي الله عنه قال: "ما جمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبَويْهِ لأحد غيرَ سعدِ بنِ مالك، فإنَّه جعل يقولُ له يومَ أُحُدٍ: ارمِ فداكَ أبي وأمّي"(59).
3- إخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنازلهم وحسن خاتمتهم:
* عن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "اهتَزَّ العرشُ لموتِ سعدِ بنِ مُعاذ"(60).
* عن عامر بن سَعْد قال: سمعتُ أبي يقول: "ما سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لحيٍّ يمشي إنّه في الجنّة إلا لعبدِ الله بنِ سَلام"(61).
* عن أبي هُريرة رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان على حِراءٍ هو وأبو بكر وعمرُ وعثمان وعليّ وطلحةُ والزُّبيرُ، فتحرّكت الصخرةُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" اِهدأْ فما عليك إلا نبيٌّ أو صِدّيقٌ أو شَهيد"(62).
4- فوزهم بالسّبق والفضل على الأمّة، وذلك من وجوه هي:
* السّبق إلى الإسلام، وتحمّل الأذى الشَّديد في نصرته ونشره.
* شرف صحبة النبيّ صلى الله عليه وسلم ولقائه ورؤيته والسَّماع منه.
* أخذهم العلم من معين النبيّ صلى الله عليه وسلم، والتفقّه في الدين.
* الهجرة مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو الهجرة إليه، أو نصرته، والذّبّ عنه.
* ضبط الشَّريعة، وتبليغها مَنْ بعدهم، وإرساء قواعد الدين.
* الإمامة في العلم والعمل.
* سنّهم سنن الهدى، وفتحهم أبواب الخير(63).
قال ابن حَجَر(852هـ): "والذي ذهب إليه الجمهور أنَّ فضيلة الصُّحبة لا يعدلها عمل؛ لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّا مَن اتفق له الذّبّ عنه، والسَّبق إليه بالهجرة أو النصرة، وضبط الشَّرع المتلقّى عنه، وتبليغه لمن بعده، فإنّه لا يعدله أحد ممّن يأتي بعده؛لأنّه ما من خَصْلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سَبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر فضلُهم"(64).
5- إشادة كبار الصَّحابة بأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم:
ومنهم ابن مسعود، وابن عُمر، والإمام عليّ رضي الله عنه
أ- قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنَّ الله نظرَ في قلوبِ العباد، فوجدَ قلبَ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم خيرَ قلوب العباد، فاصطفاهُ لنفسه، فابتعثَهُ برسالته، ثم نظرَ في قلوب العباد بعدَ قلب محمّد، فوجدَ قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراءَ نبيه، يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسناً فهو عندَ الله حسَن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ"(65).
ب - قول عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما: "مَنْ كان مُستناً فليستن بمَنْ قد مات، أولئك أصحابُ محمَّد صلى الله عليه وسلم كانوا خيرَ هذه الأمة، أبرَّها قلوباً، وأعمقَها علماً، وأقلَّها تكلّفاً، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونَقْلِ دينه، فتشبّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحابُ محمّد صلى الله عليه وسلم، كانوا على الهدي المستقيم، واللِه ربِّ الكعبة"(66).
ومن كلام ابن عمر رضي الله عنه: "لا تسبّوا أصحابَ محمّد صلى الله عليه وسلم، فلمقامُ أحدِهم ساعة خيرٌ من عبادة أحدِكم أربعين سنة"(67).
ج- قول الإمام عليّ كرّم الله وجهه: "ألا أخبركم بخير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعُمر"(68).
ولا ريب أنَّ الصَّحابة الكرام قد استمدّوا مكانتهم المرموقة من مكانة النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ إذ إنّه سيّد الخلق، وخاتم المرسلين، قد اجتمعت فيه كمالات النبوّة والخُلق، وجلائل الأعمال، ولو أنَّ عملاً واحداً منها تحقّق على يد رجل واحد لاستحقَّ أعظم لقب، ولأصبح من عباقرة العالم، "فما ظنّك بعظيم قَدْر مَن اجتمعتْ فيه خصالُ الخير كلُّها ممّا لا يحصيه عدّ، ولا يُعبّرُ عنه مقال، ولا ينالُ بكسبٍ ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوّة والرّسالة، والخُلَّة والمحبة، والاصطفاء والإسراء.. إلى ما أعدَّ الله له في الدَّار الآخرة من منازل الكرامة، ودرجات القُدْس، ومراتب السَّعادة والحسنى التي تقفُ دونها العقول"(69).
وقد حاز النبيّ صلى الله عليه وسلم إعجابَ العلماء والمفكرين والأدباء في الغرب، ومنهم: "ول ديورانت" صاحب كتاب "قصّة الحضارة"، والأديب الفرنسيّ "لامارتين"، و"برنارد شو"، و"مايكل هارت" الذي ألّف كتاباً سمّاه "الخالدون المائة"، وجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم أولهم.