كتاب " صفحات مطوية من التاريخ " ، تأليف عيسى إبراهيم اللوباني ، والذي صدر عند دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب صفحات مطوية من التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
صفحات مطوية من التاريخ
لقد أوحى إلي في هذه المقابلة الأولى رغم طموحه إلا أنه رجل لا ينسى الواقع، وكان حسه العملي يمكنه من التمييز بين الواقع والوهم. كانت أفكاره نتيجة تفكير طويل مبني على الحساب – منطق واقعي يومي بإستراتيجيته، ولقد أوحى إلي أيضاً أنه إنسان موهوب بذكاء عملي لا تغيب عنه العملية في مهمته التي كانت تري لتحقيق مثل أعلى، أعني إعادة بناء الإمبراطورية الرومانية.
شرحت له بوضوح مطالب العرب بالاستقلال والوحدة ورفض كل أشكال الاستعمار، من الاستعمار المباشر حتى الحماية والانتداب والقواعد العسكرية. ولقد تبينت من خلال ملامحه أنه لم يكن ينتظر كل هذا الموقف الصارم مني.
قلت له: إن هدفنا الأول هو إنقاذ فلسطين من المؤامرة العالمية وأن نلغي مرة واحدة مفهوم الوطن القومي اليهودي على أرضنا. وهذا ما يملي علينا الكفاح ضد الوطن القومي اليهودي وليس التعصب كما يذهب البعض. إنه الحق في أرضنا ووطنا كما هو حق كل الشعوب. والعلاقات في هذا الوطن كانت دائماً أخوية بين المسلمين والمسيحيين وتعاونوا جميعاً في سبيل وطنهم.
أجابني: أعرف ذلك وإن ما أعلمه عن العرب وخاصة عن الدين الإسلامي هو كثير، لقد درست القرآن والتاريخ الإسلامي والتسامح الذي يحمله الإسلام محلاً أسمى، ولكن هؤلاء وأشار إلى الكونت أنفوزو لا يعلمون شيئاً.
وهنا تساءلت في نفسي – ترى هل يستصغر معاونيه أم أنه لا يحترمهم؟ واستمر قائلاً (إن مطالبكم تحظى باحترامنا واهتمامنا. إننا راغبون في مساعدتكم على تحقيقها ونحن على استعداد للاعتراف بأمانيكم. أما عن الوطن القومي اليهودي فلكم الحق في كفاحه ومقاومته. إننا ندعم هذا الكفاح ونقف إلى جانبكم.
لقد حاول الـ 46000 (ستة وأربعون ألفاً) من اليهود المقيمون في إيطاليا والذين لا تتجاوز نسبتهم 1 من 1000 من السكان السيطرة علينا. إنهم رغم تمتعهم بحقوق المواطن التي أعطاهم إياها شعبنا لم يعطوا أي دليل على تعلقهم بهذا الشعب. كل منهم جاسوس، إنهم يقومون بالدعاية ضد إيطاليا ويساندون أعداءها، إنهم طابور خامس بيننا. وسنتخذ الموقف الذي يستحقه موقفهم منا.
وأضاف في نهاية حديثه: أنتم أصدقاؤنا حلفاء بلاد المحور في هذه الحرب التي ستبدل كثيراً في مستقبلنا ومستقبلكم. إننا نتعاون معكم تعاوناً مبنياً على الثقة والتعاون المتبادل. إنني بهذه الروح أرحب بكم بيننا. لقد وصلتم في الوقت الذي تحوز به منطقة الشرق الأوسط اهتماماً كبيراً وأنا من ناحيتي أهتم بذلك اهتماماً كبيراً وأنا سعيد برؤيتكم بيننا، وعندما تذهبوا إلى ألمانيا أرجو أن تنبهوا الفوهرر إلى أهمية الشرق الأوسط وخاصة قناة السويس إنها عنق الإمبراطورية البريطانية، هناك نستطيع خنقها وإلى الأبد، إن جبهة الشرق الأوسط هي التي تساهم في النصر الذي يبدل مصير الحرب.
فهمت من كلامه أنه يعتمد علي كي أقنع الفوهرر بعدم جدوى الحملة التي يعدها ضد روسيا، وكان يعلل موسوليني حجته بإظهار الاستراتيجية الكلاسيكية الروسية التي تتلخص في جر جيوش الاحتلال إلى الثلج والجليد والسهول فتعمد إلى إفنائها بعد ذلك في هجوم معاكس. ولمح في الحديث إلى نابليون وشارل الثاني عشر ملك السويد اللذين وقعا في الفخ. صحبني الدوتشي إلى باب القاعة وهو يكرر تهانيه ويلح على البارون أنفوزو بتلبية طلباتي أثناء إقامتي في إيطاليا، وأكد لي الكونت أنه سينفذ أوامر زعيمه بدقة وأنه سيضع نفسه تحت تصرفي. فطلبت إليه بعد الشكر أن يسهل لي شكليات السفر اللازمة إلى رحلة أقوم بها لبرلين في أسرع ما يمكن. فسألني قائلاً دون أن يخفي دهشته: منذ الآن؟ ولماذا لا تقيمون بيننا؟ فأجبته لابد من السفر وسأعود لروما عندما تتهيأ الفرصة.
وبدلاً من أن نذهب إلى الفندق رافقني الموظفون إلى فيلا عظيمة في ضواحي روما هي فيلا سكارلاني التي وضعتها الحكومة الإيطالية تحت تصرفي، وقد وجدت أن حقائبي سبقتني إليها.
ولم أقم في هذه الفيلا غير يومين قبل سفري إلى برلين نقلت على إثرها إلى قصر آخر هو (فيلا كولونا) الكائنة في جبل مونتي ماريو المشرف على روما.
ويستأنف المفتي حديثه فيقول:
خرجت من مقابلتي الأولى مع موسوليني ممتناً. لقد أيد الدوتشي الأماني العربية في الاستقلال والسيادة قائلاً: باسم الحكومة الإيطالية أجيب رغباتكم بالاعتراف بأمانيكم الحقة وبمساعدتكم بتحقيقها مع حكومة الرايخ التي تتبنى –على ما أعتقد – نفس الموقف.