كتاب " صفحات مطوية من التاريخ " ، تأليف عيسى إبراهيم اللوباني ، والذي صدر عند دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب صفحات مطوية من التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

صفحات مطوية من التاريخ
وصف مجاعة ألمت بمصر في عهد الدولة الفاطمية وجوانب أخرى
منذ نهاية عهد الأخشيديين بدأت المجاعات في مصر والتي امتدت حوالي تسع سنوات 964 – 972م فكانت عاملاً مشجعاً للعبيديين على فتح بلاد مصر. بعدما يئس بعض المصريين من حكم الإخشيديين لكن هذه المجاعات تكررت في عصر العبيديين خاصة في عهد الحاكم بأمر الله ثم ابنه وخليفته الظاهر لإعزاز دين الله، ثم في زمن المستنصر بالله.
ثم كانت الشدة الكبرى والتي ابتدأت سنة 1072 إلى 1095 فوصل سعر رغيف الخبز بها إلى خمسة عشر ديناراً (أكثر من عشر جنيهات حالياً) وأُكلت الكلاب والقطط والدواب، ووصل سعر الكلب خمسة دنانير.
ويصف المقريزي حالة الناس في مصر – القاهرة آنذاك بقوله: تزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضاً وتحرز الناس، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه، ونشلوه في أسرع وقت، وشرحوا لحمه وأكلوه، ثم آل الأمر إلى أن باع المستنصر بالله كل ما في قصره من ذخائر وثياب وأثاث وسلاح وغيره وكانت نساء القصور يخرجن ناشرات شعورهن تصحن: الجوع! الجوع! يردن المسير إلى العراق فيسقطن عند المصلى ويمتن جوعاً.
حتى أن امرأة عرضت عقداً لها ثمنه ألف دينار على جماعة التجار ليعطوها به طحيناً فاعتذروا. وأخيراً أشفق عليها بعضهم وباعها كيساً من الدقيق وما أن دخلت باب رويلة، عند عودتها ومعها الدقيق تكاثر عليها الناس وتخاطفوه منها، ولم تستطع الاحتفاظ بأكثر من ملئ يديها، وهو ما بقي لها من كيس الطحين، فعجنته وشوته، ولما صار رغيفاً أخذته معها، وسارت إلى أحد أبواب القصر ووقفت على مكان مرتفع، ورفعت الرغيف على يدها بحيث يراها الناس، ونادت بأعلى صوتها: يا أهل القاهرة! ادعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره حتى تقومت على هذه القرصة (الرغيف) بألف دينار.
ويقول ابن كثير: حتى اللصوص قضى عليهم الجوع، وأكل الناس بمصر عام (1070م) الجيف والميتات والكلاب. ولم يتجاسر أحد أن يدفن ميته نهاراً، إنما يدفنه ليلاً، مخافة نبشه وأكله.
وظهر أن بعض الطباخين قد ذبح نساء وبعض الصبيان وأكل لحومهم، وباعها مطبوخة، وليس أدل على ذلك من الرواية التالية: كانت امرأة سمينة تجتاز زقاق القناديل بمصر (القاهرة) فعلقها أحد العبيد السود بالكلاليب، وسحبها إلى داره، وفيه بطحها أرضاً على وجهها وأوثق رباطها بأيديها وأرجلها إلى أوتاد حديدية ثم عراها من ثيابها وقطع من عجزها شرائح وهي تستغيث وتصرح ولا من مجيب. ثم جلس يأكل وقد توهم أنها لا تستطيع الإفلات من قيودها: لكن المسكينة بدأت تتململ وتشد إلى أن استطاعت أخيراً أن تفلت من قيودها، وتخرج من داره زحفاً إلى أن وصلت إلى الخارج، فصرخت طالبة النجدة، فجاء الوالي وفتش الدار ليخرج منها مئات القتلى ثم ضرب عنقه.
وكلما اشتدت الأزمات، وارتفعت الأسعار وانتشرت الأمراض، وازداد الجوع، تزايد عدد الأموات بكثرة حتى لم يجدوا من يدفنهم، فطرحت جثث كثيرة في النيل، وتفشت الأمراض عند ذلك لدرجة أن الوباء بمصر قضى سنة 978م على أعداد كبيرة تقدر بالآلاف، سوى من لم يعلم بموته أما من دفن بلا كفن فكثير.
ولم تكن الحال في أيام الظاهر لإعزاز دين الله بأفضل منها في أيام جده العزيز بالله إذ ضرب الجوع القاهرة، وأصبح الناس في مصر على أقبح حال من الأمراض والموت وشدة الغلاء وانعدام القوت، وكثرة الخوف من فئات الذعار والشغار وغيرهم ممن ينتهز مثل هذه الأزمات.
أما في عهد المستنصر بالله فقد حلت الأمراض وعم القاهرة الوباء والقحط، والذي يعتبر أطول وباء عرفته مصر في العصور الوسطى، ممتداً ثماني سنوات: 1054 – 1062م فوصلت أعداد الموتى في اليوم إلى عشرة آلاف نفس.
ثم تعود الأمراض تتفشى في مصر بصورة أوسع عند حصول (الشدة العظمى) في الفترة الممتدة ما بين 1065 – 1072م.