كتاب " المشوار " ، تأليف د. فخري لبيب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المشوار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الاختطاف
انتهى العام الدراسى، وكذا الامتحانات. نحن الآن، فى مدرسة الأقباط الإعدادية بطنطا، نصحح أوراق التلاميذ. الوقت رمضان، وأنا أتسلل، ساعة الظهيرة، إلى معملى، أتناول غداء سريعاً، أعده فراش المعمل والمدرج. أنا أعمل مدرساً للطبيعة. أسكن شقة صغيرة، جملتها قدر استطاعتى لتكون عشى الهادىء. إنها تقبع فوق سطح عمارة فخيمة أستطيع من نوافذها أن أرى حياً وادعاً رائعاً يزخر بالأشجار والأزهار. ما أن ينتهى التصحيح خلال يوم أو اثنين حتى أغادر هذا المكان. أقضى الإجازة الصيفية فى الأسكندرية. البحر يموج بالبشر. من كل نواحى البلاد، حيث يمكن للمرء أن يتعرف على منابع المصيفين من لهجاتهم. الشاطىء عامر بالألوان والحسان، وشماسى مزخرفة، وأردية بحر مزركشة، وأجساد جميلة ممشوقة تطلق الفرحة والرغبة. وأطفال كالورود يشيدون أبنية من رمال، ما أن تداعبها الأمواج حتى تتلاشى. الزياط شديد، والكل يقبل على الماء يغسل مشاق العام الذى مضى، وكأن المرء يجىء إلى هنا، موعداً مع عماد* تتجدد به حياة الإنسان.
غير أن شيئاً من ذاك لم يحدث هذا العام. قبل أن ينتهى التصحيح بيوم أو اثنين. والتاريخ 29 مايو 1954، ما أن ابتعدت عن دارى، وبلغت الشارع الرئيسى، حتى أحاط بى عدد من الرجال لا أعرفهم. وأمسكوا بى بطريقة شلت حركتى، فصحت فيهم، غير أن صياحى ذهب سدى. سكون المكان الذى طالما عشقته غداً كابوسًا، تسمع صدى صوتك ولا مجيب. قال أحدهم:
-مباحث.
يبدو أنه ضابط. قام بتفتيشى. لم يجد ما آثار اهتمامه غير مفاتيح مسكنى. قلت:
-انت معاك أمر بالقبض علىّ وتفتيشى؟
لم يجبنى أحد. قال آخر يبدو أنه ضابط، أعلى رتبة:
-يلا بينا.
تساءلت، إلى أين، لم يرد علىّ أحد. كانت تكسو وجوههم الجدية والصرامة. كنت أتوقع هذه اللحظة التعسة، فقد قبض على زملاء لى منذ عامين، لكننى لم أن أتوقعها على هذا النحو. ساروا عودة فى اتجاه منزلى، فأردكت أنهم يعرفون أين أقيم. صعدوا بى حتى شقتى. وضع الضابط المفتاح فى قفلها. قلت مرة أخرى:
-معاكو أمر تفتيش؟
لم يبالى أحد بسؤالى. دفعونى إلى الداخل وأغلقوا الباب علينا. قلبوا الشقة رأساً على عقب.
وجدوا بعض المطبوعات والأوراق لكنهم لم يجدوا كل الأوراق. كنت قد أعددت مخبأ لمثل تلك المفاجآت. لم يصلوا إليه. عثروا على برواز خشبى، أمسك به كبيرهم فرحاً. نظر إلىّ متسائلاً فى يقين:
-عزيزة!؟
إنه الاسم "الحركى" لمطبعة الرونيو البدائية. إلا أننى لم أرد عليه. قال:
-فين بقيتها إنشاء الله؟