أنت هنا

قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية

إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية

لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
المبحث الأول
 
من هم إخوان الصفاء؟
 
(الصفاء والوفاء) يمكن قصرهما ومدهما، وقد استخدمهما الباحثون على الوجهين فقيل: (إخوان الصفاء وخلان الوفاء)، كما قيل: (إخوان الصفا وخلان الوفا).
 
وإخوان الصفاء: هم جماعة من الجماعات، تكونت من الفلاسفة والعلماء اجتمعوا في البصرة في القرن الرابع الهجري، وتعاهدوا على التماسك والتناصر والوفاء، ويعرفهم التهانوي بقوله: «هم جماعة من الأصدقاء، العقلاء، والإخوان الألباء، سلموا من الشوائب والكدورات البشرية، وتحلوا بأوصاف الكمالات الروحانية»(1).
 
ويقول عنهم الدكتور غلاب: هم جماعة من صفوة علماء العصر، وخاصة حكمائه الذين أحاطوا بنظريات الأقدمين، من فلاسفة الإغريق والهند وفارس، وقتلوها بحثاً وتمحيصاً، وهضموا براهينها واعتراضاتها، ونجحوا في اكتناه خفاياها وأسرارها، واستنبطوا منها آراء خاصة، أقل ما تدل عليه عندهم هو النضوج الفائق في النظر والفكر وغزارة العلم، وسعة الاطلاع، ووفرة الثقافة في جميع جوانب المعارف البشرية التي وصل إليها العالم القديم إلى عصرهم.
 
وفوق ذلك، فقد صفت نفوسهم من شوائب المادة، وعلت أرواحهم من علائق المنفعة فوصلوا - كما ينبئوننا في رسائلهم - إلى أسمى أوج الإخلاص والوفاء. ولما تصافت نفوسهم وتعارفت أرواحهم، تآخوا على البر والتقوى، واستقر رأيهم على أن يؤلفوا لهم هيئة علمية وأخلاقية تتعاون على نشر الثقافة العالية من: إلهيات ورياضيات وطبيعيات، وخلقيات بأسلوب أدبي سلس، لكي يتذوقه الخاصة، ولا يعسر فهمه على العامة(2).
 
ولما كان الأمر كذلك أطلقوا على أنفسهم اسم «إخوان الصفاء، وخلان الوفاء، وأهل العدل، وأبناء الحمد»(3). وتلك العبارة التي تشير إليها رسائلهم، وكما ارتأوها هم من وجهة نظرهم تشعر الناظر فيها من أول وهلة أنهم الأعوان على الخير كله، فإنه لا شيء من سرور الدنيا يعدل صحبة الإخوان.
 
ألف أولئك العلماء جماعتهم بطريقة سرية، لا يطلع عليها أحد من العامة، لأنهم آمنوا بأن فشلهم مقرون بإيضاح خطتهم، أو بإظهار أسمائهم، وكان اتجاههم إلى التكتم والمدارة كما تقول إحدى الباحثات: رد فعل لما ساد المجتمع من فساد سياسي، وصراع مذهبي، وتعصب العامة، وشغبهم وإيذائهم لكل من يعرف عنه أنه يخالف معتقدهم.
 
وتستطرد الباحثة قائلة: ونتيجة لهذا الفساد، كان تصورهم لمجتمع فاضل روحاني بعيد عن شغب العامة وتعصبهم، وصَلَف الحكام وفسادهم، مجتمع روحاني فاضل لا مكان فيه للمنازعة والخلاف والاختلاف بين الفقهاء والعلماء، ولكي يكون لديهم هذا المجتمع الفاضل فلا بد من ضم أفراد جدد إليه، يجتمعون فيه على القدس والطهارة، فاتجهوا إلى الشباب السالم الصدور على أمل إعدادهم ليكونوا رجالاً عاملين في دولة الخير، وهذا الإعداد يكون بتعليمهم العلوم التي رآها الإخوان محققة لغرضهم، وتهذيب أرواحهم، فيتدرج في مراتبهم(4).
 
فإخوان الصفاء جماعة من الفلاسفة المتخيرين، تخيروا من كل دين ومذهب ما ناسب عقليتهم، ويتلاءم مع ظروفهم ويخدم أهدافهم، إذ يأملون في حياة أفضل ومجتمع أكمل، وحيث الرئاسة فيه عالمة، ولما كان النبي (ص) هو الرئيس المثالي في نظرهم، فإن الذي يحل محله في رئاسة المجتمع الفاضل مجموعة من العلماء، توافر فيهم صفات النبي (ص)، حيث توجد في كل واحد منهم صفة أو شرط من الشروط، وباجتماعهم تجتمع هذه الشروط والصفات، ويصبح لهذه الجماعة العالمة الفاضلة سياسة المجتمع الفاضل(5).
 
وهذا يذكرنا بقول المعلم الثاني (أبي النصر الفارابي) وهو بصدد الحديث عن صفات رئيس المدينة الفاضلة: «فإذا لم يوجد إنسان واحد اجتمعت فيه هذه الشرائط، ولكن وجد اثنان، أحدهم حكيم، والثاني فيه الشرائط الباقية، كانا هما رئيسين في هذه المدينة، فإذا تفرقت هذه في جماعة وكانت الحكمة في واحد، والثاني في واحد، والثالث في واحد، والرابع في واحد، والخامس في واحد، والسادس في واحد، وكانوا متلائمين، كانوا هم الرؤساء الأفاضل»(6).

الصفحات