لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ
أنت هنا
قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
تسميتهم بإخوان الصفاء:
إن كلمة إخوان الصفاء تعني أصدقاء المودة. وكان إخوان الصفاء يتوددون إلى الناس بهذا المعنى، ليكتسبوا كثيراً من الأنصار(7).
وقد حدثنا (ديبور) في دائرة المعارف الإسلامية، نقلاً عن (جولدزيهير): أن هذه الجماعة قد أخذت اسمها من قصة (الحمامة المطوقة)، في كتاب (كليلة ودمنة)، لأن هذه القصة فضلاً عن أنها اشتملت على عبارة (إخوان الصفاء) نفسها، قد احتوت من الغيرية والتضحية ما اشترطته هذه الجماعة في الصداقة(8).
فكما نرى الحمامة في القصة تطلب إلى الجُرز أن يقطع شباك صديقاتها قبل شبكتها، وتقدم نجاتهن على نجاتها، نرى (إخوان الصفاء) يقولون عن الصداقة: «فإذا أسعدك الله يا أخي بمن هذه صفته، فابذل له نفسك ومالك، وقِ عرضه بعرضك، وافرش جناحك، وأودعه سرك، وشاوره في أمرك، وداو برؤيته عينيك، واجعل أنسك إذا غاب عنك ذكره، والفكر في أمره، وإن هفا هفوة فاغفرها له، واذكر من سالف إحسانه عند إساءته ليأنس بك، ويأمن من غائلتك، فإن ذلك أسلم لوده، وأدوم لإخائه»(9).
والذي يرجح هذا الرأي أن الإخوان على ضنهم بذكر الكتب التي اعتمدوا عليها أو تأثروا بها يشيرون في مواضع متعددة إلى كتاب (كليلة ودمنة) هذا، بل إنهم اتجهوا إلى السير على طريقته في الرمز، حيث جعلوا الحيوانات وغيرها ينطق بما يريد قوله (إخوان الصفاء) من آراء.
ومن الممكن القول: إن اتخاذهم هذا الاسم إنما كان للدلالة على ما يسود بينهم من علاقات طيبة صافية، وتعاون وتآزر وتآخٍ، يحققون به هدفهم الذي يسعون إليه(10).
وقد أطلق إخوان الصفاء على أنفسهم هذه التسمية ليظهروا أمام الناس أنهم أوفياء مخلصون، فهم يرددون قول: «هلم يا أخي إلى إخوان لك نصحاء»(11). ويصفون أنفسهم بصفات أربع ترغيباً لغيرهم هي: (إخوان الصفاء، وخلان الوفاء، وأهل العدل، وأبناء الحمد). فماذا تعني هذه الصفات؟
عبارة (إخوان الصفاء):
يعلق إخوان الصفاء أنفسُهم أهمية عظمى على فكرة (الإخوة)، ويجعلون منها أساساً للصلة والمحبة وعماداً لصلاح البلاد، وذلك بقولهم: «الصداقة أُسُّ الأخوة، والأخوة أس المحبة، والمحبة أس إصلاح الأمور، وإصلاح الأمور صلاح البلاد»(12).
ومن يطالع رسائل (إخوان الصفاء) يلاحظ من أول وهلة وبدون عناء أن هذه الرسائل مفعمة بالعبارات التي تتحدث عن الأخوة، إذ لا تخلو أي رسالة من عبارة: «اعلموا أيها الإخوان»، أو «أيها الأخ البار الرحيم»، أو «اعلم يا أخي»(13).
وها هم يدعون الأخ للانضمام إلى جماعتهم بقولهم: «فهل لك يا أخي أن ترغب في صحبتهم، وتسلك طريقهم، وتطلب منهاجهم، وتتخلق بأخلاقهم، وتسير بسيرتهم، وتنظر في علومهم، لتعرف مذهبهم، وتعتقد رأيهم، وتعمل مثل عملهم، لعلك تحشر معهم وتفوز بمفازتهم»(14).
بل إن إخوان الصفاء كانوا أول من نادى بفكرة (الأخوة) غير المقيدة، متجاوزين بذلك فكرة (الأخوة) القائمة على أساس الدين فقط، معتمدين في ذلك على تصورهم بأن جوهر الأديان كلها جوهر واحد، ولا تعدو شرائع الأنبياء كونها أوامرَ ونواهيَ، وأحكاماً وسنناً تختلف بحسب اختلاف أهل كل زمان.
وفي إطار تصورهم هذا كان الإنسان الفاضل عندهم هو الذي يجمع خصالاً ومناقب من أمم متعددة، وأديان مختلفة، فيصفون الأخ الكامل، أو الإنسان الفاضل بأنه هو «الفارسي النسب، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة، الصوفي السيرة»(15).