لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ
أنت هنا
قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
المبحث الثاني
عصرهم
اختلفت آراء المؤرخين والباحثين حول تحديد العصر الذي ظهرت فيه جماعة إخوان الصفاء. ويمكن حصر هذه الآراء في اتجاهين:
الاتجاه الأول:
يرى أنصار هذا الاتجاه أن إخوان الصفاء ظهروا في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي(1). فهناك شبه اتفاق على أن القرن الرابع بكل مميزاته الفكرية والثقافية خاصة، هو أنسب القرون وأكثرها ملاءمة لظهور هذه الجماعة بكل ما تميزت به - أيضاً - هذه الجماعة من مميزات جعلتها تختلف عن غيرها.
وهذا الاتجاه له في تصوره هذا أدلة وبراهين نذكر منها:
1- الظروف السياسية مواتية ومواكبة لظهورهم، وخاصة عندما آلت مقاليد الأمور في الدولة العباسية (لأحمد بن بويه) الشيعي 334هـ، فتشجعوا بتوليه الخلافة، وأظهروا ما كان خافياً.
2- ما أورده أبو حيان التوحيدي، من أنه حمل عدة من الرسائل إلى شيخه أبي سليمان المنطقي السجستاني عام 373هـ، حين تولى صمصام الدولة ملك العراق. ويستدل من ذلك أن جماعة إخوان الصفاء كانت قد استكملت تنظيمها في هذا الوقت، وأن الرسائل كانت قد دونت وانتشرت في الأسواق، وتداولتها أيدي القراء(2).
3- ربط أحد الباحثين ظهور هذه الجماعة بوفاة (الفارابي) (3) حيث يقول: «لم يكد يمضي على موت الفارابي ثلاثون سنة، حتى هبّ جماعة من صفوة علماء العصر، وخاصة حكمائه الذين أحاطوا بنظريات الأقدمين من فلاسفة الإغريق والهند وفارس، وقتلوها بحثاً وتمحيصاً، وهضموا براهينها واعتراضاتها، ونجحوا في اكتناه خفاياها وأسرارها... إلخ»(4).
فالقرن الرابع الهجري يعتبر بحق قمة الرقي الفكري والنضوج العقلي بالنسبة للحضارة الإسلامية، إذ أتيح فيه نتاج الحركة العلمية الناهضة في القرن الثالث، وكان محتوى الرسائل ترجمة لمظاهر هذه النهضة، ذلك أن عملية المزج والتوفيق بين الدين والفلسفة التي لجأ إليها الإخوان تحتاج إلى هضم الثقافات السابقة والتخير منها، ثم إخضاعها للآراء الدينية التي تتلاءم معها، بل وأيضاً محاولة تطويع النصوص المقدسة لتتلاءم مع الآراء الفلسفية الوافدة. ولم يكن إخوان الصفاء أول من سار في هذا الاتجاه التوفيقي، بل كان هناك من سبقهم إليه مثل (أبو نصر الفارابي)، ويعتبر الإخوان قمة هذا الاتجاه، لذلك يعتبر القرن الرابع أنسب القرون لنشأتهم، وأجدرها بظهور إنتاجهم الفكري(5).