لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ
أنت هنا
قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
الاتجاه الثاني:
وأصحاب هذا الاتجاه(6) يرون أن جماعة إخوان الصفاء يعود تاريخها إلى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين، ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه انتساب إخوان الصفاء للإسماعيلية، وصلتهم الوثيقة بها، وقدمهم بالانتساب إليها، وعراقة أصلهم بمعرفة أصولها وتعاليمها، واعتبارهم من المؤسسين للفلسفة الإسماعيلية ورسالتها.
ويستند أصحاب هذا الرأي في التدليل على رأيهم هذا على أمور منها:
1- ما ذكره بعض المؤرخين والباحثين، وبعض دعاة الإسماعيلية من علاقة إخوان الصفاء بالحركة الإسماعيلية، أمثال (كازانوفا) و(دي فروميري) و(ماكدونالد) و(عبداللطيف الطيباوي)، وخاصة الداعيين الإسماعيليين اليمنيين (إبراهيم بن الحسين الحامدي) والشيخ (إبراهيم السيفي).
2- ما جاء في بعض المخطوطات الإسماعيلية الحديثة الاكتشاف، من أن الرسائل وضعت بمعرفة احد أئمة الإسماعيلية المستورين أو بعض دعاته، وذلك في عهد الخليفة المأمون (197-218هـ) (7).
وإذا كانت الدلائل تدل على تحديد عصر (الإخوان) بالقرن الرابع أو الثالث، فليس شرطاً أن يكون هذا زمن تكونها، وليس هناك ما يمنع أن تكون قد وُجدت قبل ذلك بزمن طويل، فإن ما ذكره أصحاب الاتجاهين يدل فقط على تاريخ كتابة الرسائل، لا على تاريخ نشأة (الجماعة)، إذ يجب التفريق بين إخوان الصفاء بصفة عامة، وبين مؤلفي الرسائل بصفة خاصة، فلم يكن كل عضو بالجماعة مؤلفاً بالضرورة.
ويدل على ذلك ما ذكره أحد الباحثين من أن بذور هذه الجماعة قد نبتت أيام جعفر الصادق (80-148هـ) وهو الإمام السادس لدى الإسماعيلية. «فليس ببعيد أن تكون جمعية إخوان الصفاء من بذور مدرسة الصادق، كما أنه ليس ببعيد أن تكون قد نشأت في أيامه، وقد ادعى الإسماعيلية أن التأويل والستر منسوبان إلى جعفر الصادق، ولا يمكن أن تكون فترة الستر قد تكونت دفعة واحدة، بل كانت نتيجة لعوامل كثيرة. وقد أشار إخوان الصفاء إلى أن من أسباب اختفائهم ما كان قد وقع بكربلاء لآل البيت ومعلوم أن موقعة كربلاء كانت عام 60هـ»(8).
ويرجح الدكتور حجاب - في مؤلفه الفلسفة السياسية عند إخوان الصفاء - أن هذه الجماعة قد ظهرت في القرن الثالث الهجري حيث يقول: إنه من المرجح أن جماعة الإخوان ومن ثم رسائلهم ظهرت وتطورت خلال القرن الثالث الهجري، وإن بدأت قبله بقليل. وهذا هو ما اتجه إليه الدكتور عز الدين فودة أثناء مناقشة وتحقيق ذلك، استناداً إلى ما هو منطقي وطبيعي من ظهور جماعة إخوان الصفاء على مراحل باعتبار أن هذه الجماعة - شأنها شأن أي دعوة اجتماعية أو سياسية وسرية بصفة خاصة - كانت تعمل على التطور والانتشار خفية، متوائمة في ذلك مع ظروف كل مرحلة من المراحل، وعلى ضوء مدى انتشار الدعوة.
ويؤيد هذا ما ذهب إليه (بندلي جوزي) من أن المبادئ الأساسية للإسماعيلية - وإخوان الصفاء منهم - والمسائل الاجتماعية التي كانت تحوم حولها أفكارهم، لم تظهر في يوم واحد، ولم تبقَ على حالها مدة طويلة، بل إنها كانت تتطور تبعاً لمطالب الزمن وظروفه ولتطور زعماء الحركة الإسماعيلية العقلي والأدبي، فهي والحالة هذه قد قطعت كسائر أنظمتهم أدوراً عديدة، واجتازت مراحل كثيرة، وهي تنمو وتتكيف إلى أن اتخذت لنفسها صورة نهائية، هي الصورة التي يعرفها بها أكثر الكتبة المتأخرين.
ومن ثم فنحن أمْيَل إلى القول بظهور جماعة الإخوان في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين، وأن رسائلهم بُدِئ في تحريرها منذئذ، ولكن ربما لم تأخذ شكلها الحالي، بل ربما لم تأخذ اسمها أيضاً حتى أوائل القرن الرابع الهجري(9).
ومهما يكن من أمر فإن جماعة الإخوان جماعة متناسقة لها مبادئها وأهدافها، ولها مؤلفاتها ورسائل إنتاجها العقلي، ظهرت وتطورت وانتشرت خلال فترات ومراحل، باعتبار أن هذه الجماعة شأنها شأن أي دعوة سرية كانت تعمل على التطور والانتشار خفية، متوائمة في ذلك مع ظروف العصر، وكل مرحلة من المراحل.
فإذا كان أصحاب هذين الاتجاهين قد حددا عصر جماعة الإخوان بالقرن الثالث أو الرابع الهجريين، فليس شرطاً أن يكون هذا زمن تكونها، وليس هناك ما يمنع أن تكون قد وجدت قبل ذلك بزمن طويل، فإن ما ذكره أصحاب الاتجاهين يدل فقط على تاريخ كتابة الرسائل لا على تاريخ نشأة الجماعة.
فالزمن الذي نشأت فيه جماعة الإخوان إذن لا يمكن تحديده بدقة تامة، غاية الأمر أن رسائله وجدت في القرن الرابع، والنصف الثاني منه على الخصوص، نظراً لما ذخر به هذا القرن من أسباب وعوامل تساعد على وجود مثل هذا اللون من الإنتاج الفكري، وتفرض الاتجاه إلى السرية الذي عمد إليه إخوان الصفاء، يؤيد هذا ما ذكره (أوليري): «من أن دائرة معارف إخوان الصفاء التي تضم العلوم والفلسفة، عُرفت بين الناطقين بالعربية في القرن الرابع الهجري»(10).