كتاب " الجنوبي " ، تأليف عبلة الرويني ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
لن أطلب منكم الوقوف حداداً
أنت هنا
قراءة كتاب الجنوبي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الجنوبي
رحت أبحث عن مقهى ريش في الزمان الذي أعرفه (صباحاً).. مررت أمام مقاهي شارع طلعت حرب أسأل مقهى مقهى حتى وصلت إلى مقهى ريش.
لم يكن ريش يختلف كثيراً من حيث الشكل عن باقي مقاهي القاهرة.. بل إن شكله الخارجي لم ينم عن كونه ملتقى الأدباء.. أو حتى عنواناً أنيقاً لشاعر.
أسأل الجرسون:
ـ الشاعر أمل دنقل؟
غير موجود.
ترددت اكثر من مرة على المقهى.. وفي كل مرة كان الزمان صباحاً وفي كل مرة لا أجد أمل دنقل.
رفق بي أحد الجرسونات:
ـ الأستاذ أمل لا يأتي إلا في المساء.
ولأني أسكن منطقة مصر الجديدة البعيدة، فقد كان من الصعب علي العودة مرة اخرى مساء، فتركت له رسالة صغيرة:
الأستاذ أمل دنقل
يبدو أن العثور عليك مستحيل، يسعدني الاتصال بي في جريدة الأخبار ويشرفني أكثر حضورك.
اكتفى الشاعر بإسعادي.. متصلاً صباحاً بالجريدة ومحدداً موعداً للقاء.. الثامنة مساء في دار الأدباء بشارع القصر العيني.
فيما بعد أدركت أن اتصال أمل بي (تليفونياً)، وفي (جريدة الأخبار) (وصباحاً) يعتبر حدثاً في حياته من الصعب تكراره. ولعلها رقة سطور الرسالة التي تركتها ـ كما قال لي ـ ولعله القدر الذي كان يرسم صورة مستقبل قادم، ويحتم اللقاء بهذا المحارب الفرعوني القديم.
في الثامنة تماماً كنت في دار الأدباء، المكان شديد الازدحام بجمهور الأمسية الأدبية، فاليوم كان (الأربعاء) موعد ندوة الدار الأسبوعية.
صارت الساعة الثامنة والنصف وأنا لا اعرف ملامح وجه أمل.. أسأل فيقال لي: لم يأت بعد.
بعد قليل همس شاب: الأستاذ أمل هو ذلك الجالس في نهاية الصفوف.
اقتربت من الصف الأخير حيث جلس شخصان:
ـ الأستاذ أمل دنقل؟
تفحصني أحدهما بهدوء ثم قال: سعادتي!
لم يستفزني الرد، بقدر ما أعجبتني تلك المحاولة للغرور.. فابتسمت، طلب لي فنجاناً من القهوة، ورحت أحدثه عن سبب اللقاء، ورغبتي في إجراء حوار معه.. فوافق بسهولة عكس ما قيل لي.
قلت: كنت أظنك أكبر قليلاً!
ضحك بصوت مرتفع: يبدو أن عندك عقدة ألكترا!
ولم استفز أيضاً بل ابتسمت: إطمئن لن أحبك!
كان الانطباع الأول، الذي كونته سريعاً، أن هذا الشخص مختلف عن الآخرين، يتكلم لغة أخرى، يسلك سلوكاً آخر، بل ويحس أحاسيس أخرى، فمنذ اللحظة الأولى سقطت كل المسافات والإدعاءات والأقنعة، وبدا لي وجه صديق أعرفه من زمن.