قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقد الشاعر فى مدرسة الديوان

نقد الشاعر فى مدرسة الديوان

كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 7
المجموعة الثانية
 
وإن كان هؤلاء الكتاب الثلاثة – حفني غالي – كمال حريري – الحوماني – قد اهتموا بقضية التصوير في شعر ابن الرومي وتطرقوا إلي عقد المقارنة بين الشاعر والمفكر والشاعر والرسام كما رأينا، وأن هؤلاء كان يحركهم موقف عاطفي انفعالي إزاء واقعهم المتخلف وماضيهم المجيد، وتفوق الفكر الغربي والعلم، فإن هناك مجموعة أخرى أخذ اهتمامها بابن الرمي الشاعر اتجاهاً آخر غير اكتشاف التفوق الجمالي والشعري في شعره، أولها ما نجده في اهتمام ناقد مثقف هو فخري أبو السعود، إذ شغل بما ظنه أدخل في باب الأدب المقارن منه بالمقارنة، فكتب مجموعة دراسات متوالية في الرسالة عام 1936م تناول فيها موضوعات عديدة في الأدبين العربي والإنجليزي علي وجه المقارنة مثل: الفكاهة، وأسباب النباهة والخمول، والخرافة، وأثر الفنون، والنقد، والخيال والوصف والمعني والأسلوب ومن هذه الموضوعات، موضوع: الطبيعة في الأدبين العربي والإنجليزي وهو بلا شك، مأخوذ بالأدب الإنجليزي والغربي عموماً، وتؤرقه مظاهر التخلف عن هذه الآداب في آدابنا سواء منها القديم أو الحديث. ومما يؤرقه أن "الطبيعة نالت لدي أدباء الإنجليز في أغلب عصورها هذه المكانة التي هي بها جديرة"(19).
 
وأنها "لم تنل هذه الرعاية، ولم تنل هذه المكانة في الأدب العربي، ففي العربية لا ريب أوصاف طبيعية بالغة غاية الجودة، لكنها قليلة إذا قيست بنظائرها الإنجليزية"(20).
 
ويعي فخري أبو السعود، بالطبع ما قدمه ابن المعتز، وابن حمديس، وابن خفاجة وغيرهم في هذا المجال "لكن كثيراً من أشعارهم يتسم بالفتور، وتنقصه حرارة الهيام بالطبيعة والامتزاج بروحها"(21) على حد وصفه.
 
ومن ثم فإنه يتجه لتعليل أسباب هذه الظاهرة من وجهة نظره، ويقف في هذا السياق عند ابن الرومي وما كان قد أتيح من شعره: ليصفه بأنه "شاعر فرد" ويركز علي هذا الجانب من تفرده وهو تصوير الطبيعة "فالعربية تكاد تقفر من الوصف الطبيعي السامي المقصود لذاته لولا شاعر فرد هو ابن الرومي الذي تنطق أشعاره بحب للطبيعة عميق، وانجذاب لسحرها لا يدافع، ونظر في محاسنها وأغوارها نافذ. وقد أنشأ لوصف مختلف مظاهرها قصائد كثيرة أودعها خير ما في العربية من وصف الجنان والفلوات، والأصائل والأسحار والغيم والمطر، والطير والوحش، وشعوره في كل هذا يضارع أسمي ما في الشعر الإنجليزي"(22).
 
فابن الرومي – عند فخري أبو السعود – هو شاعر الطبيعة الفرد في العربية وآدابها، لكنه لم يعلل هذه الصفة الغالبة عند ابن الرومي، فلم يردها إلي موروث سبق الشاعر أو إلي مؤثرات حضارية في عصره أو إلي صفة بعيدة كالنسب الرومي مثلاً. لكنه عموماً اكتفي بتسجيل هذه اللمحة اللافتة في وصف ابن الرومي، ولم ينس عواطفه – كناقد عربي مصري منتم إلي هذا التراث الذي يفتش فيه عن إمارات التفوق – فدفعته أمارة التفوق عند ابن الرومي إلي الربط بينها وبين "أسمي ما في الشعر الإنجليزي" مما يؤكد أن الناقد لم يكن ينظر إلي التراث بعين خالصة بل كانت عينه لا يفارقها الإحساس بتفوق الآخر "الغرب" وتأخر الحاضر عن الماضي وعن الآخر.
 
إن هموم هذا الحاضر كانت دافعاً قوياً ومازالت للنظر في الماضي ومن ذلك أن محمود الشرقاوي الذي كتب عن "فتنة الزنج ورثاء البصرة في شعر ابن الرومي" تذكر قصيدة رثاء البصرة هذه في جو مماثل لما حل بالبصرة من خراب، وذلك أثناء الحرب العالمية الثانية "في هذا الوقت الذي نسمع فيه ونقرأ أنباء ذلك الخراب الذي يصيب المدائن العظيمة من هذه الحرب، وذلك العذاب الذي يصب علي الآمنين ينزل عليهم من السماء، ذكرت قصيدة من عيون الشعر وعجائبه قالها ابن الرومي في حال تشبه هذه الحال، هي قصيدة رثاء البصرة"(23).
 
إن المماثلة هنا هي المبرر الحقيقي لاستدعاء الماضي في الحاضر، لكن ما الذي يجعل استدعاء قصيدة مثل هذه أجدي من استدعاء عظة أو خطبة أخرى تحمل رثاء لمصير البشرية المجهول في الحرب والدمار؟ إن الكاتب لم يغب عن وعيه ووجدانه أن الحرب العالمية الثانية قد حلت بالبشرية بعد أن قطعت شوطاً ضخماً جداً من التعقل وتهذيب الإنسان ومع ذلك فإنه لم يكن مانعاً لوقوع الخراب والدمار في كل مظهر من مظاهر تقدم العقل البشري هذه الدراما البشرية الدائمة، قد حدثت نفسها بالبصرة التي كانت معقل العلم والأدب والحضارة في العالم الوسيط، فقد هاجمها الزنج ودمروا كل مظاهر الحضارة، وتغلب منطق الخراب علي منطق العقل والعمران، وقد التقط ابن الرومي هذا الخيط الإنساني الرفيع المشترك في تاريخ الإنسان كله وصوره، فرثي، لكنه لم يرث، فرداً بذاته، بل رثي مدينة، وهو في الحقيقة يرثي موت العقل، وفقدان الحضارة، فأصبحت قصيدته صورة حالة في كل عصر تحدث فيه هذه الدراما البشرية التي حدثت إبان الحرب العالمية الثانية، وإبان خراب البصرة، بهجوم الزنج عليها لذلك يعتقد الكاتب أن ما يبقي من أحداث البصرة هو "تلك الصورة البارعة القوية الصادقة عن وصف ما حل بالبصرة وأهلها علي يد الزنج"(24).
 
ومن ثم فإن محمود الشرقاوي إذا كان قد توقف – لداع أو لآخر – أمام هذه القصيدة من شعر ابن الرمي – إنما قد توقف عند ما هو عام مشترك في شعر ابن الرومي، ولم يقف عند الجزئي العابر، وبالتالي فكأنه يبرز لنا ابن الرومي، ذا طابع إنساني عام في نظرته إلي الحضارة والإنسان ومصيره ومن ثم فإن كان الآخر "الغرب" قد أحرز سبقا وتفوقاً في مجالات عديدة. فإن استدعاء ابن الرومي بهذه الصورة، يمثل من جانب الكاتب، احتجاجاً علي هذه الحرب وعلامة سبق عند رمز من رموز هذا الماضي. إذ يصف قصيدته بأنها "من غرائب الشعر العربى وضوح بيان ورقة تصوير وإعجاب خيال وصدق عاطفة، وهى من بدائع الشعر العربى كله" ويلفت نظره قدرة ابن الرومى علي تصوير "مشهد خرائب البصرة وقصورها التى أضحت تلالا ومشهد تلك الأيدى والأرجل مبعثرة فيها قد نبذت بينهن أفلاق هام. ومشهد تلك الهام ملقاة خاشعة باكية قد بدا منها الثغر وبرزت النواجذ ولكن لا ابتسام" ويختم رؤيته إلى ابن الرومى بإشارته إلى قدرة الشعر على التأثير والتحريض ".... كان ابن الرومى في تحريضه للناس وتهييجه لهم ماكراً عارماً شديد التأثير. ويكاد شعره في ذلك يدفعنا نحن الآن إلى الثورة والهياج".
 
أما ثالث هذه المجموعة، فهو كامل كيلانى، الذي أرقه كثيراً أن يتجاهل أبو الفرج الأصفهاني ابن الرومي في كتاب "الأغاني" ومقالته في هذا الموضوع عنوانها سؤال "كيف أغفل صاحب الأغاني ابن الرومي؟" ويغلب علي هذه المقالة انفعال الكاتب بحادث الإغفال والإعجاب الواضح بابن الرومي "فإذا أغفل أبو الفرج التنويه بشاعر فحل كابن الرومي، فهل نجد من يحتج له بهذا العذر؟ وأية دهشة تتملكنا، حين نجيل البصر في هذه الأسفار الضخمة.. فنري مؤلفها – الذي أغفل ابن الرمي – قد استطرد أكثر من ألف مرة إلي من يستحق الذكر ومن لا يستحقه والتنويه بشعراء – إن أجللناهم مرة – نزهنا ابن الرومي عن أن يوضع معهم في ميزان أو يقاس إليهم بمقياس ورأيناهم إلي جانبه أقزاماً أمام عملاق"(25).
 
ويتتبع الكاتب كيف أن أبا الفرج أساء إلي ابن الرومي وإن لم يقصد، ثم يحاول توضيح الأسباب التي وقفت وراء هذا التجاهل.
 
وتحمس كامل كيلاني لابن الرومي، وإقدامه علي الدفاع عنه، أمر له سببه الواضح المعروف، فالكاتب من المعجبين بالعقاد الذي ارتبط به ذكر ابن الرومي، والعقاد هو الذي قدم للمختارات التي نشرها كامل كيلاني من شعر ابن الرومي. وفي هذا التقديم يذكر العقاد أن ابن الرومي ظل خامل الذكر "حتي كشف عن مكانه قراء الشعر الأفرنجي في العصر الحديث لأنهم وجدوا فيه شاعراً من طراز أولئك الشعراء الذين يقرأون لهم في اللغات الغربية"(26).
 
وكامل كيلاني واحد من أنصار هذا المذهب من الشعر كما يصفه العقاد نفسه(27).
 
ويمثل له ابن الرومي واحداً من كبار الشعراء الذين يتساوون مع من يقرأ لهم من الشعراء في اللغات الغربية.
 
 

الصفحات