قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقد الشاعر فى مدرسة الديوان

نقد الشاعر فى مدرسة الديوان

كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 8

المجموعة الثالثة

وتواصلت مع هذه الأبحاث المنشورة في دوريات عربية مجموعة كتب عن ابن الرومي الشاعر، ونقصد هنا بالتواصل، التواصل الزمني، فهذه الأبحاث المنشورة في الدوريات نشرت في عقد الثلاثينيات، وأوائل الأربعينيات، وتواصلت معها هذه المجموعة من الكتب التي التفتت إلي الشاعر ابن الرومي، ومن هذه الكتب ما كتبه المستشرق "جست روفون" بعنوان "ابن الرومي حياته وشعره" الذي ترجمه الأستاذ الدكتور حسين نصار، ويهتم هذا بشعر ابن الرومي لا بوصفه نصاً أدبياً ذا ملامح أسلوبية أو شعرية، بل بوصفه، وثيقة تاريخية، يتحاور معها من أجل هدفين: الأول: البحث عن الشخصيات التي عاصرت ابن الرومي واتصل بها وتفاعل معها سلباً وإيجاباً، وورد لها ذكر أو إشارة في شعره، الثاني: التأكد من صحة النص الشعري من خلال ما يدل عليه زمنياً أو اجتماعياً في حواره مع هذه الشخصيات. ومن ثم فإن هذا الكتاب يعد خطوة مهمة في توثيق شعر ابن الرومي وتحقيقه، علي الرغم من صغر حجمه نسبياً، ويبدو أن هذا الكتاب كان الباعث وراء اهتمام الدكتور حسين نصار بتحقيق شعر ابن الرومي وجمعه علي النحو الذي قدمه أوائل السبعينات.

ويلتقي مع هذا الكتاب كتاب آخر نشره عمر فروخ عام 1942م(28) وهو كما يصفه صاحبه، يقع في اثنتين وثلاثين صفحة، وهو علي الأحرى كتيب، حاولنا البحث عنه بكل الوسائل، وفي كل المظان المتيسرة في مصر ولبنان، ولم نعثر عليه، وعثرنا في مجلة الأديب علي مساجلة بين العقاد وعمر فروخ حول ما كتبه العقاد عن ابن الرومي، وفي دفاع المؤلف نفسه، أشار إلي دراسته تلك بقوله "في عام 1942 أصدرت دراسة صغيرة عن ابن الرومي تقع في اثنتين وثلاثين صفحة، ذلك لأن الحرب العالمية الثانية كانت وما تزال ترد أيدي الكتاب في غير مواضيع الدعاية عن التبسط والاسترسال، وقد كنت رأيت نفراً يزعمون أن للنسب اليوناني اليد الطولي في عبقرية ابن الرومي، فكتبت في صدر دراستي هذه الكلمة"(29).

ويبدو أن الكاتب كان مدفوعاً إلي دراسته تلك بدافع الدفاع عن نسب ابن الرومي، وجعل عبقريته مردودة إلي الأصل اليوناني، لا إلي الأصل العربي والحضارة العربية وثقافتها عامة، وسوف نلتقي بهذه الوجهة من النظر في موضعها. ويعتقد أن هذه الدراسة لم تهتم بالنص الشعري، بل اهتمت بما حوله من ظروف تاريخية واجتماعية أو بما يدل عليه هذا النص من ظروف مختلفة لأن المنهج التاريخي عند طه حسين والمنهج النفسي الذي سار علي هدية العقاد، كانا هما المنهجان السائدان في هذه الفترة.

ومما يؤكد هذا الاعتقاد عندنا أن كتابا صدر عام 1960 في طبعته الأولي لعلي شلق عن ابن الرومي "ابن الرومي في الصورة والوجود"، يسير في خطي الأعلام السابقين: طه حسين – العقاد، المازني – عبد الرحمن شكري، ويهتدي بالمنهج النفسي الانطباعي مع بعض الظلال التاريخية. فالكاتب يعتقد أن هؤلاء الأعلام حينما كتبوا عن ابن الرومي "إنما يصورون حاجاتهم، ويدرسون الحيوات في نفوسهم متطورة بهم أو بابن الرومي وابن هانئ"(30).

ويستعين بمقولات المنهج النفسي في تقديم صورة ابن الرومي المأخوذة من دلالات نصه الشعري فهو "شاعر مهووس، منهوم، ناقم، ومن كانت هذه حاله فهو لابد أنه كثير التحدث عن نفسه، يعيش بغرائزه أكثر مما يعيش بعقله، ويحافظ علي نهم الطفل فيه، وإن كان ذلك الطفل يفقد نعمة الطفولة وحلاوتها(31).

والكاتب – باعتماده هذا المنهج – يتكئ علي النص الشعري لمعرفة صورة الشاعر بملامحها المادية والنفسية، مستعيناً بما قدمته مدرسة التحليل النفسي من عقد نفسية تفسر الخلل البادي علي الأعصاب، والسلوك فإذا ما أظهر ابن الرومي تخوفه من الماء فإن مرد ذلك عند أنصار هذا المنهج – إلي عقد ترسخت في وجدان طفولته، يذكر منظر الماء بها، فتهيج أعصابه ويخاف. وإذا أخفق ابن الرومي في علاقاته الاجتماعية، فإن مرد ذلك عندهم إلي نرجسيته وسوء ظنه بالناس، وشعر ابن الرومي – في كل هذا، يقوم عند الكاتب – بدور الشاهد أو الوثيقة النفسية علي صاحبه. ومادام النص الشعري عنده ذا وظيفة نفسية، فإن هم الكاتب الأكبر أن يبحث عن الصدق، والتجربة بوصفهما معيارين للقيمة، وينتهي في ضوء منهجه إلي أن "الحقيقة الصميمة هي أن أقوال ابن الرومي هي حياته وأفعاله، غير متزيد فيها ولا متنقص منها. وحياته لا لبس فيها ولا تناقض. والذي يظهر من أقواله فهو مختلف بالنسبة إلي الأقوال ذاتها بالنسبة إلي الآخرين. إذ أنها في نفس الوقت صادقة لأنها منبعثة من نفس لها حالة لم تكذب في التحدث عن ملابساتها"(32).

ولم ينفض الكاتب يده من معطيات العصر العباسي الثاني في دراسته، وهي معطيات ثقافية وسياسية وعقائدية كما قدمها، لكنه حينما ذكرها لم يعتمدها أساساً لتفسير الظاهرة موضوع البحث وهي ابن الرومي في الصورة والوجود كما حددها لنفسه، وصارت هذه المعطيات مجرد مجموعة من المقولات التي ترسم الإطار العام حتي تعرف أنك تقرأ عن شاعر كان يعيش في القرن الثالث الهجري لا القرن العشرين. واعتمد علي معطيات أخري بدلاً منها وجعلها أساساً لتفسير موضوعه، وهي معطيات المنهج النفسي التي جعلها قالباً مفروضاً علي شعر ابن الرومي الذي أصبح بدوره في يد الكاتب دالاً علي حالات نفسية.

ومن الملاحظ علي هذه الكتب الثلاثة للمؤلفين – جست روفون – عمر فروخ – علي شلق، أنها دارت تقريباً علي شعر ابن الرومي بوصفه وثيقة دالة لا بوصفه نصاً أدبياً ذا ملامح محددة. وأنها إما انطلقت من المنهج التاريخي التوثيقى كما حدث عند المستشرق وإما من المنهج النفسي كما حدث في دراسة علي شلق مثلاً. وأنها لم تتناول أحداً غيره، بل صار ابن الرومي هو موضوع الكتاب. وهذا علي العكس مما فعله بطرس البستاني في كتابه (أدباء العرب – الجزء الثاني) الذي تناول فيه مجموعة من الأدباء العرب الكبار المشاهير، من بينهم ابن الرومي الذي أخذ من الكتاب ما يقرب من عشرين صفحة. وقد نظر بطرس إلي ابن الرومي نظرة تعتمد علي أن المؤرخين القدماء بخسوا حق الشاعر فلم يجمعوا أخباره "فكان الشاعر أحرص منهم علي ذلك، فجاء شعره تاريخاً صادقاً لحياته، وصورة ناطقة بأخلاقه وصفاته"(33).

ومن ثم اعتمد بطرس البستاني علي شعر ابن الرومي في دراسة أخلاقه وحبه للحياة وأغراض شعره وتوقف عند وحدة الموضوع في قصائده وعدها من مميزاته ورأي أنها تقوم علي الصلة المعنوية التي تربط أجزاء قصيدته "وتمتاز قصائده علي طولها بقربها من وحدة الموضوع، فهي وإن تعددت أغراضها أحياناً، لا تخلو من الصلة المعنوية التي تربط أجزاءها بعضها ببعض. ولابن الرومي شعر كثير نظم في غرض واحد"(34).

ورد بطرس البستاني هذه السمة من سمات شعر ابن الرومي، كما رد اتساق أفكاره، ودقة معانيه، وتصويره الساخر إلي أصله الأعجمي بطريقة غير قاطعة إذ يقول: "ولعل أصله الأعجمي كان له يد في طول نفسه، وميله إلي وحدة الموضوع، كما كان له يد في اتساق أفكاره، ودقة معانيه، وإحاطته بهنات الأمور وخروجه إلي أغراض جديدة كوصف الأخلاق والعادات، وتصوير الأشخاص تصويراً سخرياً مضحكاً"(35).

غير أن الكاتب لم يوضح كيف أثر هذا الأصل الأعجمي في العالم الشعري عند ابن الرومي، ولم يلتفت إلي تأثير معطيات الحضارة العربية الإسلامية التي يعيش في ظلها الشاعر الذي لم يعد له من أصله الأعجمي إلا ذكريات تلح عليه حين الفخر أو التنابذ بالألقاب بين الناس.

الصفحات