كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإطار العام للمجموعات
تبين لنا من العرض السابق للدراسات التي تناولت ابن الرومي منذ مطلع القرن العشرين حتي عام 1960، أنها دراسات تباينت زوايا النظر فيها إلي ابن الرومي، واتفقت كلها في الدافع الذي وجهها إلي زمن ابن الرومي الشاعر، أي أنها كان يحركها موقف فكري ووجداني واحد هو البحث في التراث عن رموز تدعم وتلبي الحاجات الفكرية والجمالية الجديدة والناشئة في الواقع الاجتماعي، وتنفي الإحساس بتخلف الواقع الحاضر إزاء التفوق الواضح من قبل الطرف الآخر (الغرب) الذي يتفوق علمياً ويقهر هذا الواقع عسكرياً آنذاك. وذلك بالكشف عن أفضل ما في ماضي هذه الأمة بغض النظر عن كون شاعر كابن الرومي يتنازعه الأصل الأعجمي أو غيره إنه شاعر عاش وتكون عقلاً ووجداناً وسلوكاً بمعطيات الحضارة العربية الإسلامية، وهي معطيات قامت علي تمثل ثقافات الحضارات السابقة وهضمها، وأكسبتها خصوصيتها، وتمثل ابن الرومي هذه المعطيات في شعره وأكسبها خصوصية المبدع وتفرده. وهذا بعينه ما جعل أنظار هؤلاء الكتاب والدارسين علي تفرقهم وتباينهم، تتجه إليه، وإلي أمثاله من الرموز.
كما تتفق هذه الدراسات جميعاً في أنها لم تقرأ شعر ابن الرومي الذي ظل معظمه مجهولاً في مصادره حتي تحقيق الديوان كاملاً ونشره تباعاً ابتداء من عام 1970 فما قرأه هؤلاء الكتاب من شعر ابن الرومي إن هو إلا مختارات معظمها غير ثابت النسب ثبوتاً قطعياً إلي ابن الرومي، كما أنها – كأية مختارات – تخضع لذوق الذي يقدمها، فيحذف ما يشاء ويعدل، ويوجه منها ما يشاء وفق قيم الزمان السائدة. فأقدم نص نشر لابن الرومي وعرفه الناس آنذاك هو الذي تولي تقديمه الشيخ محمد سليم شريف عام 1917 تحت مسمي "ديوان ابن الرومي في جزأين إلي حرف "خ"". ونشر في مصر. معني هذا أن بقية شعره – وهو الأغلب لم يقدم، وأن الكتاب من الشام سوريا ولبنان علي وجه التحديد ربما لم يكن قد تيسر لهم الاطلاع علي عمل الشيخ محمد سليم شريف. فبطرس البستاني وهو شامي، يذكر أن "شعره بقي متفرقاً في كتب الأدب حتي قام بعض الأدباء في مصر فعنوا بطبعه ونشره وعني بدراسته جماعة منهم عباس محمود العقاد فإنه وضع كتاباً خاصاً به"(36).
وإذا كانت مختارات كامل كيلاني – وهي ثلاثة أجزاء – والتي قدم لها العقاد، ويصفها المازني بأن عدد أبياتها "قريب من سبعة آلاف بيت... وأنها مجموعة حيثما اتفق، ومسرودة علي غير نسق مفهوم، ونظام معلوم، ولم تكن وراءها فكرة ظاهرة أو غرض يطالعك سوي حشد طائفة من الشعر"(37).
قد نشرت عام 1924م، وكتاب العقاد – الذي أشار إليه البستاني – عن ابن الرومي قد نشر عام 1931م. فإن المرجح، بل الأكيد أن العقاد لم يكن يعرف من شعر ابن الرومي سوي ما قدمه كامل كيلاني، والشيخ محمد سليم شريف، كما أن من الأكيد أيضاً، أن كل من كتبوا عن ابن الرومي – وهم شاميون – سوريون ولبنانيون – ومصريون، لم يعرفوا من شعره علي الأكثر إلا ما نشره كامل كيلاني عام 1924م.
ودلالة هذا الاتفاق بين هذه الدراسات، أنها قد تحدد نظرها بما هو معروف عن الشاعر من شعره، وبما هو معروف عنه من أفكار ذاعت علي أقلام المشاهير من الكتاب أمثال العقاد والمازني وشكري وهؤلاء سنقف عندهم وقفة خاصة. وإذا كانت هذه الدراسات قد اتفقت حول الإلمام بما هو معروف من شعر الشاعر، فإن ما هو معروف من أخبار الشاعر لم يكن أيضاً كاملاً، ولا معروفاً كله، لأن أغلب المصادر التي تناثرت فيها أخبار الشاعر – علي قلتها – لم تكن قد عرفت وحققت علي الوجه الصحيح. ومن ثم فإن هذه الدراسات لم يتعرض أحدها للكتابة علي وجه مفصل عن حياة الشاعر وأخباره واكتفت كل الكتب التي تناولته بما هو منتشر في كتاب العقاد أو دراسة المازني الذي يصف مؤرخي ابن الرومي بأنهم "لم يستقصوا أخباره، ولا توخوا الإحاطة بها"(38).
ويصف مذهبهم في تقديم ما هو غير صالح من أخباره بأنه "مذهب أشبه بالعمليات الحسابية منه بالتحليل الأخلاقي"(39).
وتتفق هذه الدراسات – علي تباين زوايا النظر – في نظراتها إلي النص الشعري لدي ابن الرومي. فهي لم تقف عنده لتتعرف علي عناصره اللغوية التشكيلية، بل وقفت عنده ليكون مصدرها الذي لم يتوفر في كتب المؤرخين كما فعل "جست روفون" أو ليكون شاهداً علي نفس الشاعر ومزاجه وأحواله. أو ليكون شاهداً علي العصور والمجتمع، أو ليكون دالاً علي قدرة من قدرات الشاعر الذاتية، كالتصوير الساخر، فقد رصدوه علي أنه قدرة ذاتية في الشاعر لم تتوفر لغيره أو في تراثه، لذلك ردوها إلي أصله الأعجمي، ولم يرصدوه علي أنه خاصية جوهرية في لغته الشعرية، لذلك صار النص الشعري مفارقاً لذاته وطبيعته عند أصحاب هذه الدراسات ومنها دراسة العقاد والمازني وشكري كما سنري – وتحققت هذه المفارقة في النص بدلالته علي المجتمع والتاريخ. لا علي قضايا أو خواص تشكيلية، لذلك لم يعد هذا النص – عندهم – مجالاً للقراءة الشعرية والبحث عن صفة الشعرية فيه، بل صار مجالاً لقراءة "تاريخ الفكر والثقافة والمجتمع"(40).
ويتفق أصحاب هذه الدراسات المتفرقة عن ابن الرومي في أنهم لا تضمهم مدرسة فكرية جمالية أو تيار نقدي واحد فهم جميعاً لا ينتمون لإحدى المدارس النقدية المعروفة – مدرسة الإحياء أو الديوان أو غيرهما، ومن ثم لا تحكمهم، ولا تحكم توجهاتهم أطر فكرية معينة، ولا معايير نقدية موحدة. ومن شأن هذا أن تتباعد دراساتهم حول الشاعر الواحد – كابن الرومي – أضعاف ما تتقارب. ولكن أصحاب هذه الدراسات اتفقت دراساتهم حول هذا الشاعر علي النحو الذي قدمنا في نقاط محددة. والسر في ذلك أن فكر النهضة النقدية سواء الإحيائي أو الرومانسي علي اختلاف مشاربه – كان يمثل إطاراً عاماً من الثقافة التي تحدد توجهات الحركة نحو التراث، ونحو الذات (الحاضر) ونحو الآخر "الغرب" وقد تبلور هذا الإطار في كتابات الرواد الأوائل فيما يخص الشعر حول مفهومه ودوره، وشخصية الشاعر، فهيكل يري أن الشعر "ظاهرة نفسية لقائله يشدو به حين تفيض نفسه بإحساس من الإحساسات، أو بمعني من المعاني لا تستطيع أن تكتمه"(41).
ومن ثم فالشعر مرآة صادقة علي حد قول العقاد، والشاعر رجل ذو تجربة عاطفية عميقة، وله موقفه الفردي من الوجود أو فلسفته في الحياة. وهو – باختصار – الرجل الحساس"(42).
هذا الإطار من الفكر الجمالي هو الذي حدد توجهات هؤلاء الكتاب نحو من يختارون من شعراء التراث علي كثرتهم، كما حدد لهم معايير هذا الاختيار.