أنت هنا

قراءة كتاب قضايا وتجليات في رسائل النور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا وتجليات في رسائل النور

قضايا وتجليات في رسائل النور

كتاب " قضايا وتجليات في رسائل النور " ، تأليف د. مأمون فريز جرار ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2

علينا أن نستحضر صورة شخصيته ونحن نتحدث عن موقفه لنفهمه حق الفهم، فقد كان رجلا صلبا قويا لا يهادن الباطل ولا يجامل في الحق، وله في ذلك مواقف مشهورة، كان ذلك في موقفه من المحكمة العسكرية في أحداث 31 مارت 1909(4)، وكان صلبا في مواجهة إمكان الحكم بالإعدام، وكذلك كان قويا جريئا في مواجهة القائد الروسي وهو في الأسر(5)، وكذلك كان جريئا بعيدا عن المداهنة والمهادنة في موقفه من مصطفى كمال حين دعاه إلى إلقاء كلمة في مجلس النواب في أنقرة، وتحدث عن الإيمان والصلاة، وواجه غضب مصطفى كمال ببيان أن من فقد الإيمان ولم يقم الصلاة فهو خائن(6). فنحن أمام شخصية قوية لا تهاب في الحق لومة لائم، ولا تخاف من شيء، ولا تميل إلى الراحة، بل لم تكن تملك من متاع الدنيا ما تخاف أن تفقده، فقد كان حقا من الزاهدين.

بعد لقاء الأستاذ النورسي6 مع مصطفى كمال وموقفه الصلب معه، ورفضه ما عرضه عليه من مناصب، وإدراكه للفتنة القادمة، آثر أن ينسحب إلى دياره في شرق تركيا، وبدأ رحلة اعتكاف وعزلة لم تطل(7)!! وقامت ثورة على مصطفى كمال ونظامه، عرفت باسم أشهر قادتها الشيخ سعيد بيران، وكان رأي الأستاذ النورسي6 ألا تقوم، ولم يشارك فيها، وذلك لما كان يراه الأستاذ من أن المواجهة المسلحة مع الدولة لن تحقق الهدف المنشود، وسيقع بسببها ضحايا أبرياء. ولكنها قامت، واستطاعت القوة الضاربة للدولة أن تخمدها، ونال الشهادة دفاعا عن دين الله من نالها، وفتحت السجون، وبدأت حملة كبيرة لنفي رؤوس المواجهة مع الدولة(8).ومع أن الأستاذ النورسي6 لم يشارك في الثورة، وكان رأيه ألا تقوم، وكان معتزلا معتكفا في جبل (أرك) إلا أن رأس الفتنة في أنقرة كان يدرك أن هناك خطرا كامنا على نظامه في شخص الأستاذ النورسي6، وأن اعتكافه مؤقت، وأن من الضروري نفيه إلى مكان معزول يغيب فيه شخصه، ويطمس فيه ذكره، ويكون من المنسيين. ولذلك جاءت الأوامر بنفيه من موطنه في شرق تركيا إلى غربها، إلى بوردور عدة أشهر، ثم إلى قرية بارلا القريبة من إسبارطة(9). والمؤمن وهو يرقب الأحداث لا يغيب عن باله أن الله تعالى على كل شيء رقيب، ويتذكر أنه الحي القيوم الذي لا يعزب عنه شيء في الأرض أو في السماء، ويتذكر من الآيات الكريمة ما ينزل بردا وسلاما على قلبه:(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) ) الطارق: 15 - 16 و(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) الفجر: 14.

يتذكر أن الله تعالى الذي أرسل للناس عبر الزمان رسلا هادين مهديين تكفل لهذه الأمة أن يرعاها ويرعى دينه الذي تحمله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجر: 9 ومن تجليات تلك الرعاية قول الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»(10).

أستذكر هذا وأنا أتابع سيرة الأستاذ النورسي6 ومسار حياته ودعوته، ومنهجه في مواجهة الفتنة التي أصابت تركيا، والمحن المتتابعة التي خاضها، وكيف تحول المنفى الذي أرادوه معزلا إلى كرسي تعليم ودعوة امتد صدى صوت الأستاذ منه إلى أنحاء العالم، وكيف سخر الله تعالى له من التلاميذ المخلصين من كانوا خير عون له في إشعال قناديل النور بنسخ الرسائل ونشرها في تركيا بل في العالم كله لمواجهة أمواج الظلمات المتراكمة.

إن الذي يطالع سيرة الأستاذ النورسي6 يجد أنه قد تعرض إلى ألوان من الظلم التي لا تكاد تحتمل، من غير جريمة ارتكبها أو مخالفة صدرت عنه. وأول ألوان الظلم النفي القسري الذي استمر حتى آخر حياته، فقد سمحت السلطات لغيره ممن نفتهم أن يعودوا إلى ديارهم بعد مدة من الزمن، أما هو فلم يسمح له، وبقي تحت الرقابة والإقامة الجبرية، وكان ينقل من منفى إلى آخر، ولا يبقى في منفى أكثر من ثماني سنوات، وكان يقدم إلى محاكمة تلو أخرى مع أنه لم تثبت عليه وعلى طلاب النور أي تهمة من التهم التي وجهت إليهم. وتعرض لمحاولة القتل بالسم أكثر من مرة، وكان يعزل في سجن انفرادي أحيانا ويمنع طلابه من خدمته، مع أنه كان كبير السن يعاني من أمراض متعددة.

الصفحات